قصة "السبي البابلي"هي "المأساة" التي يتم زراعتها في وجدان وعاطفة وفكر الإنسان اليهودي منذ نعومة أظفاره .هذه القصة التي تعتبر إحدى ركائز تستند إليها الأرضية النفسية والفكرية لليهود وهي القصة التي تمّت دبلجتها وإخراجها لتظهر بصورة المأساة الكبرى التي حلت باليهود في سالف الأزمان وتصويرها بأنها المظلمة التاريخية التي فتكت بأجداد اليهود . هي القصة والقضية التي تستدرُّ مشاعر حزن اليهودي وألمه وبكائه أيضا وكذلك مشاعر حقده وطغيانه ورغبته بالانتقام ، و تستفزُّ فكراً وتستحثَّ نفساً بما يتناسب وحجم المصاب الذي يعتقدونه ويعتبرونه أساس المأساة اليهودية . وعندما ينشَّأ اليهودي وفكره يعتقد بتلك المأساة ونفسه تتفاعل معها فالنتيجة تكون حركة واقعية تستجيب لانعكاسٍ أكيدٍ متفاعل مع مأساة قيل وزُعِمَ أنها حلّت باليهود في سالف العصور . وطبعاً فتلك المأساة تمّ تجديدها لتبقى حيّة وفاعلة ومؤثرة من خلال اخراج جديد تمّت تسميته ب ( الهولوكوست ). هذه ( الهولوكوست ) التي تمّ إخراج فيلمها السينمائي على أنه قد راح ضحيتها ستة ملايين يهودي قضوا في أفران الغاز النازية. قبل أن ندلي برأينا في صحة تلك (المأساة المآسي ) اليهودية دعونا نفكر ونتفكّر بأهميتها بالنسبة لليهود ومكانتها المقدسة في نفوسهم وفكرهم وعواطفهم والنتائج التي انعكست عنها وتتجلى منها . الأرضية الفكرية والنفسية اليهودية التي جبلت على التفاعل مع ما يقولون أنه مأساة كبرى حلت بهم قديما وحديثا هي أرضية تنطلق منها نفسها حركة دائمة مستمرة هاجسها الأساس ما يدَّعون أنه مظلومية اليهود في العالم وعداء الآخرين لهم أينما كانوا. والحاصل وبالمختصر المفيد أنّ النتيجة التاريخية المتجلية اليوم بأوضح صورة أن اليهود قد أضحوا بكل معنى الكلمة يحكمون العالم ويسيطرون على جلّ بقاع الأرض سيطرة عسكرية وأمنية واقتصادية وأيضاً إن شئتم لهم يدٌ طولى وباعٌ كبير عبر نفوذهم الثقافي والفكري والعقائدي والأخلاقي كذلك والموجود على الساحات المختلفة المتنوعة للشعوب في هذا العالم .. ما أود الوصول إليه كزبدة لمقالتي هذه هو مدى أهمية المأساة لشعبٍ ما يسعى للنهوض و صناعة ذاته و حضارته و مكافحة ومعالجة أسباب مأساته وهل حقاً و فعلاً أن المأساة لها دورٌ حافزٌ في صناعة التاريخ الحضاري أو غير الحضاري لشعب ما ولماذا وكيف ؟ المأساة هي حافزٌ ومحركٌ ودافعٌ لاجل أن يسعى أصحاب المأساة و شعبها لتدارك نتائج مأساتهم ومآسيهم ومعالجة أسبابها و الوقاية والعمل الوقائي لتفادي الوقوع في مآسي مشابهة أو العودة لنفس المأساة ، على أن تكون المأساة حقاً هي وبكل معنى الكلمة مزروعةً في وجدان الإنسان والشعب صاحب المأساة وفي فكره ونفسه لكي تكون محركاً عفوياً ودافعاً نفسياً ومشجعاً ذاتياً .