الأحد 30/5/2010: الغريب والقريب ورد في استطلاع أجراه معهد «بي في آه» بناء لطلب اتحاد الطلاب اليهود في فرنسا وجمعية مكافحة العنصرية، «ان الأفكار المسبقة التي أعرب عنها الفرنسيون بشأن العرب واليهود ومثليي الجنس في ازدياد». مرة أخرى، المسلمون واليهود الأوروبيون في سلّة واحدة، وهم يعون هذه الحقيقة الغائبة عن إسرائيل والبلاد العربية والإسلامية. وتُفاجأ النخب اليهودية بتراجع حضورها في الوجدان الأوروبي عما كان قبل إنشاء إسرائيل، وبالتحديد قبل حرب حزيران (يونيو) 1967 التي كشفت الآلة العدوانية القوية لدولة قدمت نفسها ملجأ لمضطهدين وواحة سلام ومعرفة في محيط عدواني وجاهل. كانت كلمة «يهودي» تستدعي الى مخيلة الأوروبي النهضة الثقافية الإنسانية وصور عباقرة في العلوم والآداب والفنون، أما اليوم فهي تستدعي صورة إسرائيل وقادتها المتعصبين والمآزق التي تسببها هذه الدولة للضمير الأوروبي حين تذكره بمحرقة توجعه فيما هي تنظم محارق للفلسطينيين طالبة المباركة والتشجيع. هذا الانكسار لصورة اليهودي في أوروبا، يحاول مثقفون تداركه بالتركيز على الصهيونية الليبرالية وعلى تلازم لا فكاك منه بين النهضة الأوروبية وعناصرها اليهودية. بل ان هؤلاء المثقفين، تساندهم مؤسسات اقتصادية وإعلامية، يشجعون إعادات النظر في الاستعمار لتظهيره رسالة حضارية لا استغلالاً للشعوب. ويؤسس هؤلاء لفكرة دور جديد لليهود في أوروبا يقوم على بناء هويتها الموحدة، وفي رأيهم أنه إذا كانت الهويات القومية تفرق الأوروبيين، فإن اليهود هم الجسر الأساس لوحدة القارة. كانوا جسر نهضتها واليوم هم جسر وحدتها. هذه صورة سعي مثقفي ما بعد الاتحاد الأوروبي، لكن نتائج السعي لم تظهر وربما لن تظهر، لأن اليهودي في نظر الأوروبي يبقى شريك المسلم والأقليات الأخرى في موقع الأجانب المقيمين. هكذا تدل استطلاعات الرأي، على الأقل. الاثنين 31/5/2010: اكسودوس هل يذكر قادة سلاح البحرية الإسرائيلي حين أرسلوا سفنهم الحربية وطائرتهم الى المياه الدولية ليعترضوا ويقتلوا ويجرحوا متطوعين يحملون مساعدات إنسانية الى شعب محاصر هو الشعب الفلسطيني في غزة... هل يذكرون تلك السفن المتهالكة الحاملة يهوداً من مرافئ أوروبا المحترقة بنار الحرب باتجاه فلسطين المسالمة الهادئة؟ هل يذكرون أن سفن اللاجئين اليهود (هل كانوا لاجئين حقاً؟) لم يعترضها أحد في البحر، حتى بقايا الأسطول الحربي الألماني؟ وإذا كانوا لا يذكرون، فهل شاهدوا فيلم اكسودوس أو قرأوا الرواية وروايات وقصصاً وأفلاماً لا تحصى عن هجرة يهود من أوروبا الى فلسطين؟ لا يريد حكام إسرائيل تبني سياسة النازي فقط، بل يزايدون عليها ويطلبون لشعب غزة أن يجوع في سجنه الكبير متقبلاً الأمر هو والعالم كله على أنه أمر طبيعي. في المياه الدولية سماء وبحر يتشابهان في الزرقة، وسفن الحرية تمخر العباب نحو معوقين وأطفال ونساء ينتظرون العون، ومع العون مشاعر تضامن تؤكد أن المشاعر الإنسانية لم تمت بعد. أما جرائم القتل في المياه الدولية فهي دليل وصول السياسة الإسرائيلية الى طريق مسدود، فلا هي تريد السلام ولا هي تريد الحرب، وتطلب من العالم وقتاً من بعده وقت من بعده وقت لضم ما تبقى من أرض فلسطين العربية وطرد سكانها. الثلثاء 1/6/2010: سياحة الشعر يتخفف سعدي يوسف من ثقل المأساة العراقية سائحاً الى غير بلد في العالم حيث ينسج من اللغة بيئات بدهشة الشاعر. الفرح بالناس وتمجيد إقامتهم ورسم جماليات الطبيعة وإضافات البشر. هنا الشعر عالمياً يلتقط الحركة السرية في المشهد. لغة عالمية تكمن خلف لغة الشعر العربية، لغة العناصر في الضوء. وسعدي يوسف منذ سنوات يدأب في هذا «الاختصاص» مقدماً صورة الشاعر المتفتح انسانياً لا الغارق في مأساة بلاده المتكررة والمستنفدة جمالياتها – لكن الشاعر العربي تحت شمس الله لا يستطيع منع فيض نفسه بشبح مأساة بلاده. (ولكن، انقضى زمن الشاعر صوت القبيلة، صوت الأمة، صوت الحق، صوت الضمير الجمعي). من سياحات سعدي يوسف في «الديوان الإيطالي» (منشورات دار الجمل) هذه المقاطع: «تنظر جوان، عبر الزجاج، الى الأفق. لا أفق. ثم الجبال تليها الجبال، تليها الجبال... وقد أسأل جوان: هل آن أن نعرف السهل؟ ماذا يخبئ هذا الذي لا نراه؟ الحقيقة قائمةٌ في الأساطير، أم هي نائمة في الدروب التي نتحدر فيها أو نعتلي؟ تنظر جوان عبر الزجاج. (...) لا يبدو الصباح مهدِّداً. الريح هدأت حتى صمتت أشجار الحور عن موسيقاها الأبدية. والغيوم عالية شبه بيضاء. لكأن دفئاً ما ينتشر في المنزل والساحة المحيطة. اختفت سيلفانا! ذهبت الى بلدةٍ قريبة، تتابع أمراً يتصل بتوسيع الطريق الضيق المؤدي الى الدارة. إذ حدث أن سيارتها الباندا انزلقت ذات شتاءٍ ثلجي، فانكسر ضلعان من أضلاعها... الشتاء قادمٌ، والمرأة ليست مستعدةً لمحنةٍ جديدةٍ تصيب أضلاعها. الشمس، ذاتُ حرارةٍ ونورٍ، اليوم. لا بد من أن قلعة مونت فيورينو، مقر جمهورية المقاومة، تتألق في الأعالي (...) * مساء أمس، في متحف البحر، بِجَنُوا Genova، جاؤوا جميعاً. كلوديو بوتساني، وفوزي الدليمي، ولوقا، وجوان ماكنلي التي لم تعرفها بعد. جاؤوا جميعاً اليك، وأنا برفقتهم. الإيطاليون جاؤوا، وصيادو السمك. طاهي المطعم الذي تناولت فيه آخر وجبة سمكٍ. والساقيةُ. بحارةُ السفن الغارقة جاؤوا، والقراصنة المتقاعدون. الفتيات الجميلات منهن وغير الجميلات. أنت أيضاً جئت. كنت تُحدثنا عن صيفٍ ثقيلٍ يحمل مسدساً. كنت تقرأ جالساً، على غير عادتك. هل أنت متعبٌ من ذلك القلب المشاكس؟ ستكون المدن شاحبةً في المساء المبكر. عيناك الذكيتان لن تكشفا ألقها السري. نحن أيضاً أمسينا سوانا. من سيحمل عبء صداقاتنا الفاترة؟ من سيسأل عن عشائنا وملابس أولادنا؟ الحفلة التي أقمتها لفلسطين والعالم أطفأت أضواءها لتتقد أنت. أنت الذي جعل اللغة مختلفةً. مساء أمس في متحف البحر، كنت البحّار الأكثر إبحاراً وغرقاً. ناقوس السفينة البرونز الهائل سيظل يحمل اسمك منقوشاً بألف لغةٍ. والعربية؟ هل سيقرأ العرب موجات الصنج الهائلة؟ هل سيتحملون صوتك الأدق رنيناً الآن؟». الأربعاء 2/6/2010: تجربة «أسطول الحرية» أفرجت إسرائيل عن مئات الأشخاص أحياء وقتلى وجرحى، أتت بهم من حيث اعتدت عليهم في مياه البحر المتوسط الدولية. بين المتطوعين في «أسطول الحرية» لإعانة غزة من يحتاج الى التأمل في التجربة وليس مجرد فرح بالبطولة. ثمة من يحتاج الى وعي أن بين المتطوعين نساء محجبات وسافرات فلا يعود الى سيرته في التحريض على المرأة، وأن بين المتطوعين أجانب فلا يستمر في شتم الأجانب بالمطلق، وأن بين المتطوعين أناساً يؤمنون بأديان غير الإسلام أو لا يؤمنون بدين، فلا يحكم بالشيطنة على هؤلاء جميعاً ويقرنهم بكل سوء يصيب المسلمين، وأن بين المتطوعين من لا يعجب أبداً بأسلوب «حماس» في حكم غزة فلا يربط بين مهمة «أسطول الحرية» الإنسانية وحق «حماس» المزعوم في حكم منطقة من فلسطين على طريقتها بعيداً من الرأي الفلسطيني الآخر، وأن بين المتطوعين من يعتمد في بلاده سياسة ترهيب وتكفير لجماعات من المواطنين. هل يستمر في سياسته هذه؟ إذاً، ماذا كان يفعل في «أسطول الحرية»؟