أمس ساقتني – قدماي – إلى وسط جدة أو ما تصالح على تسميته بجدة التاريخية. بدأت – المشوار – من حارة "الشام" حيث الأزقة المتعرجة في طريقي إلى تلك الحارات المتلاصقة والمشبعة بكل أهازيج ذلك الزمان وبشخوصه.. كانت الأزقة الملتوية في هندسة تنم عن فكر معماري حصيف في معرفة جريان الهواء هذا شمالي وذاك بحري.. أحسست أن هذه – البيوت – التي تحولت إلى "مخازن" وفي معظمها إلى سكن لسكان من جنسيات مختلفة حيث احتلوا هذه – البيوت – بكل تاريخها وبكل ما كانت تمثله من معنى في وجداننا. ولا أعرف لماذا افترشت ذاكرتي أحداث "منفوحة" التي جرت قبل ثلاثة أيام وما قام به أولئك – القاطنون – لمنفوحة من "عبث" قاتل لكل ذلك التاريخ الذي كانت تمثله – منفوحة. تخيلت لو أن بعض هؤلاء القاطنين في حارة "الشام" وفي حارة "البحر" أو في حارة "المظلوم" وبقية تلك الحارات التي هجرها أهلها وسلموها لهذه النوعية من "العمالة" غير النظامية .. والتي فعلت ما فعلت في – منفوحة- ؟!! إن بيوتات جدة التاريخية لا بد من النظر إليها نظرة فاحصة تحقق لها الوقوف في وجه أعاصير الزمان وذلك بتحويل كثير من هذه البيوتات القديمة إلى "مطاعم" يجد فيها القادم إليها ربطاً للقديم مع الحديث. إن نظرة إلى بعض المدن العربية والأوروبية في استغلال تلك البيوت الضاربة في التاريخ بإقامة مطاعم فيها يعطيني الأمل في أن تكون جدة مثل فاس القديمة أو حتى روما في إيطاليا لا أن نهملها لتتداعى بحكم عوادي الزمان أو أن نتركها نهباً لبعض هؤلاء العابثين.