لقد آن الأوان أن يذهب الخريف ، يلملم بقايا أوراقه القديمة المبعثرة علي أرصفة الحياة ويذهب . وجوده في حياتنا يبعث علي السأم ويزكم الأنوف برائحة العطن . بقايا أوراقه الميتة تنشر بظلالها الكئيبة رائحة الموت ، وتعطل أسباب الحياة ، وتحجب خيوط الشمس المنسدلة علي الوجود . ماذا تبقي لأوراق الخريف من أسباب الحياة سوي أنها تذكرنا فقط بضرورة الخلاص منها حتي لا تعيق الحياة ؟. بعدها لن تبقي الحياة عارية بلا أوراق أو ثمار ، ولن تبقي الشمس رابضة مختفية خلف تخوم العالم وقد تكسرت خيوطها الذهبية علي أسنة أوراق الخريف ، ولن تعجز رياح التغيير عن كنس كل البقايا التي لا معني لها في طريق هبوبها دون أن تمكن إحداها من امتطاء صهوة أمواجها المتتابعة . ولن تعجز زخات المطرعن غسل صفحة الكون مما علق بها من شوائب وكدر . لن تعجز الحياة عن العودة للوجود . حياة بكر بلا غبش ولا كدر ، بلا ملل ولا ضجر . حياة شابة فتية متدفقة تبعث في أوصالنا وعقولنا ووجداننا وإدراكنا أسباب الوجود ومعناه ، تبعث فينا القدرة علي الفعل وإرادة القيام به وإتيانه . لقد امتلأت حياتنا بأوراق الخريف حتي كادت تخنقنا وتكتم أنفاسنا معها . نجدها في البيوت وفي الشوارع ، في أماكن العمل والمتنزهات ، في قاعات الدرس ومعامل البحث . نجدها في الأدمغة والعقول ، في الأفكار والخواطر ، في الأحاسيس والمشاعر. نجدها عند المرأة والرجل ،عند الكبير والصغير ، عند الشباب والشيوخ . حقاً لقد آن الأوان للخريف أن يرحل عن حياتنا حالاً وعلي نحو عاجل حتي يتسني لنا أن نعيش ونحيا ، أن نتنسم رحيق الحياة ، وأن ننعم بمعني الوجود . فلنرفع الأنقاض من الأماكن والنفوس ، ولنغتسل جميعاً مع صفحة الكون تحت زخات المطر حتي نتخلص من الأدران العالقة ، وتمتد خيوط الشمس الذهبية علي استقامتها فتنير الكون والوجود والنفوس والعقول والأفكار والأفعال والأحداث ، وتقضي علي كل الزوايا المظلمة العطنة في دواخل الكون ودواخلنا . عند ذلك سندرك معني الحياة.