نسمع ونقرأ كثيرا من يطالب بحلول لمشكلة الفساد، ولكن كثيرا من هذه الحلول، إما أنها حلول لا تعالج المشكلة من أساسها، وإما أنها حلول تحقق غايات معينة باسم علاج مشكلة الفساد.الفساد من القضايا التي تنخر في قوام الدول، وتصيب مفاصلها بالشلل، وتحول بين الدول وبين النمو بكل أشكاله، سواء كان اقتصاديا، أو سياسيا، أو إداريا...الخ، فهو يكرس الفشل، ويغذي التخلف، ويضيع مقدرات الأمة، لما يحمله من ابتزاز إداري، وضرر أخلاقي على المدى القريب والبعيد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " لعن الله الراشي والمرتشي". وإذا كانت أصوات هذه الفئة من عصبة الفساد، تجد فضاء تعلو فيه، حتى يخيل للبعض أنهم هم الأكثر حرصا والأعمق انتماء للوطن، فان خطابهم الذي يختفون خلفه وهم يجهدون لإخفاء مقاصدهم وغاياتهم، التي لا تتحقق إلا عبر مصادرة حقوق الآخرين والاعتداء على أملاك الدولة، فان حقيقتهم ستظهر للعيان في النهاية، لا بل أن الغالبية من هؤلاء مكشوفة أوراقهم أمام الجميع، ولن يستطيعوا أن يختفوا خلف زيفهم طويلا. لا أتفق مع من يقول إن المخرج من ذلك هو النظام الديمقراطي، كلا..، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن أكثر المجتمعات ديمقراطية لم تسلم من الفساد، وذلك بخلق ذرائع للفساد باسم الشعب. إن ثقافة الفساد شرسة، واستطاعت أن تحتل الشعلة المتوقدة المنيرة التي خرجت أجيالا، ونقصد السياسيين والمثقفين الذين هجرتهم ثقافة الفساد، وبات أولئك نجوما مضيئة ومشعة بعيدة في بلدان المهجر، هل هذه ما جلبته لنا ثقافة الفساد؟ الجواب : كلا.. إن ثقافة الفساد تريد بنا بل تلح أن تقتل روح الوطنية فينا. إن قيم الانتماء الصادق، والوفاء والإخلاص للوطن، تدعو الشرفاء جميعا، كي يتصدوا لهذه الفئة المفسدة، بكل الوسائل التي تكشف زيفهم وفسادهم، ويضع العبء الأكبر من هذه الأمانة، على كاهل السلطة التنفيذية، صاحبة الولاية في الدولة على حماية مصالح الوطن، من اعتداءات الفاسدين والمفسدين، وهي المسؤولة عن هيبة الدولة، التي تصون وتحفظ حقوقها من كل اعتداء، ومطاردة هؤلاء وجلبهم ليقفوا أمام عدالة القانون ليحاسبهم عن إساءاتهم وإفسادهم واستغلالهم، في إطار عدالة نزيهة، لحفظ هيبة الدولة وصيانة الوطن وحماية حقوق المواطن. حيث تفتقر هذه الفئة الضالة المضلة، لمبادئ الأمانة وقيم النزاهة، وعفة الصدق في القول، والالتزام بالمبادئ الوطنية، واحترام ثوابت الدولة، والاحتكام للقانون والنظام، لذا نراها تتصيد المواقف، وتعمل على إثارة الفتن، عدا أولئك الذين امتهنوا الفساد وقبلوا أن يكونوا في فئة المفسدين، من هنا فان محاربتنا للفساد يجب أن تبدأ بهؤلاء المفسدين، لكم الله، إنه يمهل ولا يهمل.