ربما كان تدريب الحيوانات مفهوما قديما بقدم الوجود على الأرض ولكن علم تدريب الحيوانات المعاصر كما نعرفه الآن نشأ في أوائل القرن التاسع عشر على يد أخصائي علم النفس والسلوك الأمريكي سكينر حيث كان هو أول من اخترع «صندوق سكينر» الذي يكافئ الحيوانات بالطعام كوسيلة لتعزيز السلوك الإيجابي. ومع ذلك فإن اسلوب الثواب والعقاب الذي استند عليه سكينر في نظرياته بهذا الشأن واستمد منه اختراعاته لم يأت به من العدم فهو كذلك موجود مع بدء الخليقة وقد كانت الجنة وما فيها من طعام ونعيم ثواب الطاعة والأرض ومافيها من مشقَة وكبد عقاب العصيان.لعلَنا نستنتج من ذلك أن الثواب جاء قبل العقاب في المنهج الرباني ولنا في ذلك عبرة. ولكننا على ما يبدو طبَقنا نظرية الثواب على الحيوان لتدريبه وترويضه ونسينا الإنسان. والثواب الذي أقصده هنا هو ذلك الثواب اللَحظي فنحن نرى أمهر مدربِي الحيوانات في حدائق الحيوان ومدرِبي الأسماك كذلك يكافئون الحيوان بوجبة بعد كل مهارة متقنة يقوم بها لتحفيزه على الاستمرار وتقديم المزيد من المتعة للناظرين. وربَما لو كانوا انتظروا لنهاية العرض لمكافأتهم بالوجبة لما كان هناك عرض! كما أنه لدي شك بأن هؤلاء المدرِبين الأقل حظَا الذين انتهى بهم الحال بين أنياب حيواناتهم كانوا قد انتهجوا العقاب والضرب بالسوط بدل الثواب لترويض حيواناتهم وبالتالي كانت حيواناتهم مطيعة ولكنها تتحيَز الفرصة للإنقضاض والانتقام وما أبشعه من انتقام .. الشاهد في حديثي هو التالي: هناك قوانين انسانية تترتب عليها عقوبات لكل صغيرة وكبيرة.. عقوبات لحظية اذا صحَت التسمية، فالسَارق مثلا اذا ثبتت ادانته يعاقب ولكن في المقابل النزيه وان ثبتت نزاهته لا يكافأ. يتبادر الى الأذهان عند هذه النقطة ان ثوابه محفوظ له في الآخره ولن يضيع عمله عند الله. جميل ولكن أكرر ان الثَواب اللحظي مطلوب كما العقاب وقبل العقاب ويجب ان يكون هو المحفِز الأساسي لحسن الأداء كما هو النهج الإلهي وكما أثبتت لاحقا تجربة الإنسان مع الحيوان. مقالي هذا موجَه لهيئة مكافحة الفساد «نزاهة» وقد تقطَعت بهم السُبل ونالت منهم الألسن ومازالت قائمة المختلسين في ازدياد والاختلاسات في تضخُم وكأن الفساد تربطه علاقة طردية مع المكافحة، لماذا لا تعود نزاهة للوراء «أكثر قليلا» فقط بضعة قرون..وتعتمد اسلوب صندوق سكينر العتيق بحيث لا يقتصر دورها «المفترض»على معاقبة المفسدين ولكن يتعداه لمكافأة النَزيهين في نفس البيئة وتعلن بذلك عن مكافأة كل من يبلِغ عن فساد وتثبت نزاهته بنسبة محددة مسبقا من قيمة الاختلاسات التي تم ضبطها بفضله. وفي ظل وجود شعب من المتضررين، ومن شأن هذا الثواب اللَحظي ان يحسِن أوضاعهم التي أكل منها الفساد وشرب، ألن يقضي ذلك على هذا الوباء؟.إنَما أقول ربما. @tamadoralyami