وأنا أطالع تصريحا للأستاذ محمد الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد نشرته جريدة الاقتصادية نقلا عن التلفزيون السعودي ركز على أن هيئته ستكافئ الأشخاص الذين يبدون نزاهة في أعمالهم ماديا ومعنويا، انتابني شعور بأن النزاهة باتت سلوكا نادرا غريبا يستحق المكافأة، وهذا أمر مؤلم وكنت أظنه مبكرا جدا، وأنه بإمكاننا محاربة الفساد على أنه حالة شاذة وإن كثر واستشرى أو بان أكثر واتضح لزيادة الشفافية، دون أن نخلق شعورا عاما أن تشجيع النزاهة يعني المكافأة عليها، وهذا بكل تأكيد لا يعني أنني ضد مكافأة من يرفض رشوة ويتعاون للإيقاع بالراشي والرائش؛ لأن تلك من خطوات محاربة الفساد وبث الذعر في قلوب من يحاولون الإفساد، لكن ما قصدته هو عدم المكافأة على النزاهة في العمل حتى لا تصبح هي الاستثناء والفساد هو الأصل؛ لأن ذلك غير صحيح عن مجتمعنا، فلدينا نماذج من أمثلة قمة النزاهة والالتزام بالدين وبالمبادئ والقيم الأخلاقية. كتبت في صفحتي على الفيسبوك أن في وطننا الغالي السعودية بعض رجال ونساء عينوا في مناصب وعملوا بأمانة وإخلاص وتفانٍ، وحفروا في هيكل الوطن أروع الإنجازات وأنفعها وحفروا في قلوب الناس ومن عمل معهم حبا واحتراما عميقين ومنهم من هو من فرط الإخلاص حفر قبر مستقبله الوظيفي ومصالحه الشخصية فداء للأمانة والالتزام الديني وللمبادئ الوطنية الثابتة، وكون أن آخرين غيرهم وخلافهم تماما غلبوا مصالحهم الشخصية والكسب الشخصي لا يعني مطلقا أن النزاهة باتت هي الاستثناء، فنحن ندرك أن هيئة مكافحة الفساد أنشئت في هذا العهد الشفاف؛ لأن ثمة آخرين عينوا في مناصب وحفروا في الوطن أكبر حفرة للكذب وأكبر كهف لإخفاء المسروقات ودفن الحقائق، وهؤلاء لا يحفرون قبور مستقبلهم الوظيفي ولا مصالحهم، بل ينحتون لأنفسهم ما يشبه القبر في الكرسي وكأنهم مخلدون فيه أو سوف يقبر معهم. وأملنا من هيئة مكافحة الفساد وتشجيع النزاهة، أن تكشف زيف أمرهم وتشجع على كشفهم لا أن تكافئ من يخالف نهجهم؛ لأن نهجهم هو الفساد بعينه والمخالفة الصريحة لقيم وأخلاق من سبقهم ممن هم القدوة في النزاهة. www.alehaidib.com