يفتقر العالم اليوم إلى كوابح صارمة , ومحددات قانونية مقرونة بآليات تطبيقية , تحفظ البشرية من الفناء الزاحف والمتفاعل , ونشهد اليوم رغم تعدد المنظمات الإنسانية والأممية وازدحام عجلة الألفاظ الإعلامية المنادية بالديمقراطية وحقوق الإنسان , إلا أن الواقع يؤكد انهيار القيم الإنسانية برمتها , وأضحى الإنسان الوقود الدائم لجشع الشركات , وهمجيتهم المتنقلة على الأجساد البشرية , خصوصا بعد خصخصة الحروب والأمن , واغتيال الدولة , ونشر الفوضى الدموية ومخرجاتها النازفة , وأضحت العقائد الهدامة الوافدة تتزاحم في تطبيقاتها في عالمنا العربي الفاقد لمقومات الوقاية الفكرية والمهنية. وقد افرزت استراتيجية الحروب المعاصرة كما اسميتها منظرا " استراتيجية البركان – الحروب القذرة " حزمة من السلوكيات الهمجية , ولعل أبرز تلك العقائد هي عقيدة الصدمة , عقيدة التعذيب ,عقيدة التكفير , عقيدة الفوضى , عقيدة العزل والاجتثاث البشري , عقيدة تهديم الدولة , عقيدة التأثير المعكوس , عقيدة الترويع , عقيدة الفساد , عقيدة بيع الأوطان , عقيدة تمزيق المجتمعات , عقيدة حرق التاريخ , عقيدة التبشير المسلح وعقيدة رسم الأوطان من جديد.جميع التجارب الدولية التي اتخذت نظام الأقاليم هي مزج وتفاعل دويلات وإمارات متقاربة تربطهم وشائج مشتركة , وتتفق على مصير مشترك ووحدة هدف لتكون دولة مركزية فدرالية فاعلة تردع خصومها الطامعين , ويمكن وصفها بتوزيع المهام بشكل لا مركزي يضمن مركزية الموارد والدفاع والسياسة الخارجية وتعايش المكونات والأعراق, وفقاً للخطوط العامة للمصلحة الوطنية العليا. وقد نجحت دول متعددة بلغت 23 دولة فدرالية جمعت ولايتها لتصبح دولة , ويشار بنجاح إلى الولاياتالمتحدة عالمياً ودولة الامارات العربية عربياً , وكان لكتابات اثنين من المراقبين السياسيين الإنكليز (ألبرت دايسي وجيمس برايس) تأثير كبير على بدايات نظرية الفدرالية , لقد حدد دايسي شرطين لتشكل الدولة الفدرالية: وجود عدة دول "وثيقة الارتباط ببعض" محليا وتاريخيا وعرقيا أو ما شابه يجعلها قادرة على أن تحمل في نظر سكانها هوية وطنية مشتركة، والرغبة الوطنية في صيانة الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلال كل دولة في الاتحاد الفدرالي.