على الرغم من العزلة الدولية التي تعيشها اسرائيل نتيجة لسياسات حكومة التطرف اليميني بنيامين نتنياهو- ليبرمان وباراك، فإنه من الخطأ القول بأن نتنياهو في حيرة من أمره، ولا يعرف ما يريد، وبالتالي فهو يتصرف بغباء سياسي يزيد دولته عزلة، ويضعها في صدام مع العالم، خصوصا بعد نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في الأممالمتحدة، وقبول الجمعية العامة للأمم المتحدة دولة فلسطين كعضو مراقب، وما نتج عن ذلك من ردود فعل اسرائيلية، وإن كانت أقل من التهديدات التي كانت تطلقها الحكومة الاسرائيلية قبل الذهاب الى الأممالمتحدة، والتي وصلت حد التهديد بتصفية الرئيس محمود عباس، وانهاء السلطة الفلسطينية، وجاءت ردود الفعل الاسرائيلية بتجميد أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها اسرائيل، وبالاعلان عن بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس العربية المحتلة ومحيطها، لشطر الضفة الغربية الى شطرين. وردود الفعل الاسرائيلي بالاعلان عن المشاريع الاستيطانية الجديدة القديمة، ليست غاضبة كما يعتقد البعض، بل هي متسرعة تحمل في ثناياها دعاية انتخابية لتحالف نتنياهو – ليبرمان اليميني في انتخابات الكنيست القادمة المزمع اجراؤها في يناير القادم، لكنها في نفس الوقت تنفيذ وتطبيق لأيديولوجية الصهيونية والمشروع الصهيوني طويل المدى الذي يرى أن حدود اسرائيل تطلّ على الصحراء العربية -المقصود الجزيرة العربية - وحدود اسرائيل كما يراها الصهاينة المؤدلجون مرسومة على العملة الاسرائيلية-فئة العشر أغورات- وهي من الفرات الى النيل، وقادة الفكر الصهيوني يعملون على تنفيذ هذا المشروع منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا عام 1897، يساندهم في ذلك الامبريالية العالمية، فجاءت اتفاقات سايكس- بيكو لتقسيم العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا قبل أن تضع الحرب الكونية الأولى أوزارها، ثم جاء وعد بلفور في 2-نوفمبر 1917، باعطاء اليهود وطنا قوميا في فلسطين، وعملت بريطانيا زمن الانتداب على تنفيذ ذلك، فدربت وسلحت المنظمات الصهيونية، وسهلت هجرة اليهود من أرجاء العالم كافة الى فلسطين، في وقت كانت تحكم فيه بالاعدام على الفلسطيني لحيازته سكينا أو رصاصة فارغة، ونسوق هذا للتأكيد أن المشروع الصهيوني الامبريالي لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين سابق للهولوكست وما تعرض له اليهود من مذابح على أيدي النازيين في الحرب العالمية الثانية، وأن دعم العالم الغربي لاسرائيل له منطلقاته العقائدية، وليس تكفيرا عن المذابح النازية التي تعرض لها اليهود كما يعتقد البعض، وما التكفير عن تلك المذابح إلا عامل مساعد لدعم الأيديولجية الامبريالية. والاستيطان اليهودي في فلسطين يسبق حتى مؤتمر بازل، فمستوطنة "بيتح تكفا-الأمل- أقيمت عام 1881... وتتوج الاستيطان وحققت الأيديولوجية هدفها بالاعلان عن قيام دولة اسرائيل في 15 أيار-مايو-1948، وما صاحب ذلك من نكبة الشعب الفلسطيني، وقيام اسرائيل على مساحة 78% من فلسطين. وللتذكير فقط بأن قبول قادة الحركة الصهيونية بالقرار-181- الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29-11-1947 جاء بناء على رفض العرب له، علما بأنه أعطى لدولة اليهود 52% من مساحة فلسطين التاريخية. واستمرت حروب اسرائيل كالحرب على مصر عام 1956 فيما عرف بالعدوان الثلاثي الذي شاركت فيه اسرائيل وفرنسا وبريطانيا، ثم حرب حزيران 1967 التي احتلت فيها اسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية والجولان السورية وسيناء المصرية، وقد بدأ الاستيطان اليهودي قبل أن تضع الحرب أوزارها، وذلك عندما قام الجيش الاسرائيلي بهدم حارتي الشرف والمغاربة المحاذيتين للحائط الغربي للمسجد الأقصى في القدس القديمة، ومن ثمّ بناء حي استيطاني يهودي، وقام الكنيست الاسرائيلي بضم ما يعرف بالقدسالشرقية الى اسرائيل من جانب واحد، وشرع ببناء ست عشرة مستوطنة على الأراضي الفلسطينية المصادرة تحيط بالقدس القديمة، ليمتد الاستيطان لاحقا في بقية أجزاء الأراضي العربية المحتلة، وللتذكير فقط فان من بدأ الاستيطان هو حكومات حزب العمل الاسرائيلي الذي يمثل اليسار الصهيوني في حينه، وليس تحالف الليكود الذي يرأسه نتنياهو حاليا. وعودة الى سياسة نتنياهو الاستيطانية، فالرجل يعرف تماما ما يريد، حتى قبل أن يلمع نجمه سياسيا، وقبل أن يستلم رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وقد أوضح أفكاره ومعتقداته السياسية في كتابه الذي صدر بالانجليزية بداية تسعينات القرن العشرين "وترجم الى العربية بعنوان "مكان بين الأمم" وطرح فيه أن حدود اسرائيل تطل على الصحراء العربية، وأن لا مكان لدولتين بين النهر والبحر، و"كرما" منه فإنه يعطي الفلسطينيين وطنا بديلا في الأردن. وجاء الاعتراف الأممي بدولة فلسطين في 29-11 الماضي كرفض دولي لفكرة الوطن البديل... لكن نتنياهو صاحب الأيديولوجية الصهيونية القائمة على التوسع اعتبر الاعتراف الأممي بدولة فلسطين "مجرد قصاصة ورق لا تقدم ولا تؤخر" وهذا يعني أنه سيستمر في سياساته الاستيطانية، وأن لا حسابات عنده للرأي العام العالمي والدولي، يساعده في ذلك التحالف الاسرائيلي الأمريكي الاستراتيجي، والذي توفر أمريكا فيه لاسرائيل التغطية والحماية في المجالات كافة، ويشجعها على تحدي القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ويطلق يدها لتنفيذ ما تريد دون الخوف من عواقب ذلك.