أشهرٌ قليلة تفصل الولاياتالمتحدة عن موعد الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر القادم، حيث ينتخب الأمريكيون رئيساً ونائباً له "كل أربع سنوات"، كما ينتخبون كلّ أعضاء مجلس النواب "كل سنتين"، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ "كل ست سنوات"، وعدداً من حكّام الولايات الخمسين، إضافةً لانتخاباتٍ عديدة في داخل كل ولاية. وبإعلان رومني "مرشّح الحزب الجمهوري" لاسم نائبه ريان، تدخل حملات معركة الرئاسة الأمريكية في أسابيعها الحاسمة حيث أصبح واضحاً الآن للأمريكيين الخيارات المتاحة أمامهم. وسنجد في الحملات الانتخابية القادمة تنافساً على أشدّه بين أوباما وريان أكثر منه تنافساً مع رومني؛ ففي الفترة الماضية كانت استطلاعات الرأي تتصاعد لصالح أوباما ضدّ منافسه رومني بسبب ضعف شخصية هذا المرشح الجمهوري الذي ذكّر الأمريكيين بالرئيس السابق جورج بوش الابن، إضافةً إلى تأثيرات الإعلانات الإعلامية السلبية الموجّهة من حملة أوباما. لكن دخول عضو مجلس النواب من ولاية وسكنسون بول ريان في التذكرة الانتخابية لرومني سيزيد الآن من حرارة التنافس، وسيُظهر بوضوح التباينات الحاصلة الآن في المجمتع الأمريكي على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والدينية، إضافةً إلى الانقسام التقليدي المعروف بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين". وستكون من مفارقات هذه الحملات الانتخابية التنافس عملياً بين رئيسٍ حالي شاب ومثقّف وخطيب مؤثّر، وله برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي الواضح، وبين مرشّح لموقع نائب الرئيس يتمتّع بالمواصفات ذاتها، لكن من موقع سياسي معاكس تماماً. أيضاً، من المفارقات في هذه المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية عدم وجود مرشّح للرئاسة أو لنائب الرئيس من الولايات الجنوبية الأمريكية، وبأنّ ثلاثةً من المرشحين الأربعة هم من غير طائفة غالبية الأمريكيين "البروتستانت"، بينما المرشح الرابع "أوباما" هو من أبٍ مسلم، وما زال حوالي خمس الأمريكيين يعتقدون أنّه مسلم أيضاً. كذلك، من المهم التوقّف عند ما أعلنه رومني بأنّ اختياره لاسم المرشح لمنصب نائب الرئيس "ريان" كان فور انتهاء جولته الخارجية، والتي شملت زيارته لإسرائيل وجمع تبرعات لحملته هناك، وحيث تحدّث فيها عن توافقه الكامل مع مواقف نتنياهو في أمور عديدة. إنّ المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية هي الآن بوضوح معركة بين نهجين مختلفين في قضايا كثيرة داخلياً وخارجياً. وستبرز في هذه الحملات الجارية عناوين القضايا المختلَف عليها فعلاً داخل المجتمع الأمريكي، والتي هي تعكس الصراعات الدائرة منذ وصول أوباما إلى سدّة الرئاسة بين قوى التأثير والضغط التي تقف عادة مع هذا الحزب أو ذاك، تبعاً لمدى تمثيل مصالحها في برنامج كل مرشح. لكن أيضاً ستظهر في انتخابات نوفمبر القادمة جدّية الانقسامات الأيديولوجية والاجتماعية لدى الأمريكيين، وأولويّة مفاهيم دينية واجتماعية في معايير الكثير منهم لدعم أي مرشح. فما حدث في الانتخابات النصفية الأمريكية الأخيرة عام 2010 كان بمثابة "حركة تصحيحية" للانقلاب الثقافي الذي حدث في أمريكا من خلال انتخاب الرئيس باراك أوباما في العام 2008، وما رمز إليه انتخاب أوباما من معانٍ هامة في مجتمع أمريكي كان قائماً على أصولية "أوروبية- بيضاء- بروتستانتية"، وعلى عنصرية ضدّ الأمريكيين الأفارقة واستعبادٍ لهم لقرون طويلة. فالرئيس أوباما هو أمريكي أسود ابن مهاجر حديث، ومن أصول دينية إسلامية لجهة والده. وقد حصلت تلك الانتخابات النصفية في العام 2010، وستحصل الآن في نوفمبر القادم، في ظلّ اشتداد الحملات ضدّ الإسلام والمسلمين وضدّ المهاجرين الجدد لأمريكا. وإضافةً للعامل الاقتصادي، فإنّ ثلاثة عوامل ستؤثّر الآن في الحملات الانتخابية، وقد لعبت دوراً حاسماً منذ سنتين في فوز "الجمهوريين" بأغلبية مجلس النواب وبمقاعد إضافية في مجلس الشيوخ،عامل العنصرية الثقافية والعرقية والدينية الذي ينمو ويكبر منذ فوز أوباما بالرئاسة وعنصر المال والدعم الكبير لمرشّحي الحزب الجمهوري والتيار المحافظ فيه من قبل مجموعات عديدة من الشركات والمصارف وقوى الضغط التي تضرّرت من قوانين الرعاية الصحية والرقابة على المصارف ومن الضرائب، إضافةً إلى دور قوى الضغط المؤيّدة لإسرائيل. وقد ساهم في تعزيز دور المال بالعملية الانتخابية قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم تحديد سقف مالي للتبرعات للمرشحين، وبحق عدم نشر أسماء المتبرّعين. وعامل التوحّد والتنظيم والمشاركة بالتصويت لدى المعارضين لأوباما، مقابل تفرّق المؤيدين له وتوزّعهم على اتجاهات وأقليات مختلفة وغير متحمّسة حتى الآن، كما كانت في العام 2008. وبغضّ النظر عن المنافسة الحاصلة الآن بين رومني/ ريان وأوباما/ بايدن من أجل الفوز بانتخابات الرئاسة، فإنّ الصراع الحقيقي في الانتخابات الأمريكية سيكون بين معسكرين من الشركات والمؤسسات الكبرى التي تقوم عليها الحياة السياسية الأمريكية. وقد نشأت لبنات هذا الصراع الحاصل الآن بين "معسكريْ النفوذ" في أمريكا مع نهاية عقد الثمانينات حينما انهار الاتحاد السوفييتي وسقطت معه حقبة الحرب الباردة التي تعاملت معها كل مواقع النفوذ بالمجتمع الأمريكي وكأنّها حرب مستمرّة إلى أجلٍ غير محدّد زمنياً.