من يسعون لفك الارتباط بين مصر وفلسطين يعاندون الدين والتاريخ والجغرافيا والسياسة والمنطق والعقل والمصالح والوطنية، فبأي خطاب بعده يتكلمون؟ أما خطاب الدين فاقرأ سورة التين وتأمل كيف ربط الله بين سيناءوفلسطين، وأقسم بهما وبالبلد الأمين معاً إذ قال: «والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين». أما التين والزيتون فهما الثمرتان المعروفتان لكن المقصود بهما هنا لا التوقف عندهما، ولكن التكنية بهما عن أرضهما أي فلسطين بدلالة النسق والسياق، فالثاني والثالث أماكن فالأول إذاً مكان مع الأماكن بل هو في طليعتها، كما ذكر القرآن المبين. وهو على كل حال ترتيب تاريخي، أقصد تاريخ النبوات، فالتين والزيتون المكان كني به مرة ثانية عن النبوة والرسالة التي نزلت فيه وهي نبوة إبراهيم الخليل عليه السلام، وطور سينين كني بالمكان عن رسالة موسى التي أنزلت في المكان.وبالبلد الأمين كني به عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلت في البلد الأمين. ولقد ذكر القرآن سيناء في عدد من المواضع تصريحاً تارة وضمناً تارة، ومما جاء تصريحاً سوى ما ذكر قوله تعالى: «وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين..» وكان الماديون يهزأون كيف ينبت الزيتون في سيناء؟ فلينظروا الآن .وقد ذكر الطور في سياق قصة موسى قرابة عشر مرات، والطور هو قلب سيناء كما الأقصى قلب فلسطين، وأقسم الله بالطور في سورة تحمل هذا الاسم: «الطور» فقال: «والطور..» وهذا لافت للنظر جداً، فما سر هذا الاهتمام بسيناء وطورها إلى هذه الدرجة؟ أهو أي هذا الاهتمام عائد إلى التاريخ فقط أم إليه وإلى المستقبل مطلقاً.. أي بتجدداته وسيرورته وتجلياته، بحيث إن كل حاضر ينضم إلى الماضي في لحظة تحققه، ثم يظل أفق المستقبل مفتوحاً. إني أعتقد أن الاهتمام بسيناء عابر للزمان بل للأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل بل كذلك الإلماح إلى ضرورة الاهتمام بسيناء كما اهتم بها القرآن. وما كثرة الذكر إلا للأهمية، وهل نسيت أن أكثر بلد ذكره القرآن هو مصر وسيناء قطعة من مصر.. وحتى هذه القطعة حظيت باهتمام شديد! صحيح أنها جغرافياً في الأطراف لكنها عسكرياً وسياسياً ينبغي أن تكون في القلب. أقول وما جرى من تهميش سيناء طيلة العهود كلها مشبوه وغير مفهوم ولا مبرر وأسوأ العهود بالقطع العهد المباركي غير المبارك. واليوم تعود سيناء إلى بؤرة الاهتمام من جديد ومحور الأحداث من جديد. ولكن بصورة يراد لها أن تكون صورة مأساة تراجيدية من مذبحة الجنود في ساعة قبول ورحمات لكنها أيضاً كانت ساعة تآمر وساعة غفلة.. تآمر من مراكز ضالعة وغفلة من العساكر البسطاء. ومنذ عشرات السنين ودخول سيناء يحتاج من المصريين إلى تصريح خاص وكأن سيناء قطعة أخرى خارج الوطن، أضف إليه التهميش الاقتصادي وانعدام المشاريع، مع أن سيناء شهد الله بعكس ما تزعم دعايتهم أنها صحراء سيناء إذ قال: «وشجرة تخرج من طور سيناء..» والآن مع استمرار التهميش نسبياً فإن (2) مليون شجرة زيتون قد تم زرعها في سيناء.. ولو مد خط من النيل إليها لكانت جنة من جنان الأرض.