لا يزال فوز فرانسوا هولاند برئاسة فرنسا يُحْدِث صدى واسعًا داخل الاتجاهات المختلفة، ليس فقط داخل بلاده، ولكن خارجها أيضًا؛ حيث لا يزال مجهولاً لدى العديد من الأمريكيين، فيما يعكف الفرنسيون على الأسباب التي أدَّت إلى خسارة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. تراجع شعبية ساركوزي، أدَّى إلى خروجه من قصر الإليزيه وفتَح تحليلات عدة حول أسباب هذا التراجع، خاصة وأنَّ الرئيس السابق ذا التوجُّه الليبرالي فاليري جيسكار ديستان كان قد خرج من السباق ولم يَعُد إلى قصره لصالح منافسه، وذلك خلال الجمهورية الخامسة للدولة الفرنسية، عندما خسر أمام منافسه الاشتراكي. ومن بين الأسباب التي يعتقد أنَّها تسبَّبت في خسارة الرئيس السابق، ما يَنْظُر إليه المراقبون بتمسُّكه بالتقاليد الصارمة التي يحافظ عليها الفرنسيون، مما يعنِي انقلاب الفرنسيين على تقاليدهم وضوابطهم المحافظة، والنُّزوع إلى الاشتراكية وفق ما رأوا في هولاند معبرًا عنهم فيه. ويذهب محللون فرنسيون إلى أنَّ ساركوزي أضفَى على مؤسَّسة الرئاسة الفرنسية طابعًا شخصيًّا للغاية ، عندما التقطت له صورة وهو يُعانق زوجتَه في مكتب عمله، فضلاً عن مسلسل قصصه العاطفية وحياته الخاصة داخل القصر الرئاسي. ويرون أنَّ الدولة الفرنسية ومؤسَّساتها يجب أن تظل بعيدة عن الأشخاص، وخطاب الذات، ويعتقدون أنَّ ساركوزي ارتكب خطأ فادحًا عندما خلط بين حياته الخاصة وحياة المؤسسة العامة التي تَعود لجميع الفرنسيين. لذلك كانت حياة ساركوزي الرئاسية توصف بأنَّها كانت فترة صغيرة من حياة الجمهورية الفرنسية، وكان التغيير شبه الليبرالي الذي كان يأمله ساركوزي في الدولة والاقتصاد والمجتمع قد اصطدم بجدران تقليدية فرنسية موروثة، والتي هي جزء مما يظنُّه البعض إزاء المجتمع ووظائف أفراده. غير أنَّ التساؤل الذي يطرح نفسه: هل يمكن للرئيس المنتخب فرانسوا هولاند أن يعمد إلى قيادة بلاده في الاتجاه المعاكس، وأن تكون رئاسته مكرسة لتصحيح الأوضاع التي طرأت في عهد سلفه؟ للإجابة عن التساؤل السابق، يبدو أنَّ وعود هولاند الانتخابية تذهب في هذا الاتجاه؛ فهو سيعمل على ردِّ الاعتبار لجهاز التربية والتعليم الذي تلقَّى إصابةً قاتلةً في عهد ساركوزي عبر توظيف 60 ألف مدرس. ويتوقع أن يقوم هولاند بإلغاء قرار اداريٍّ أصدره وزير الداخلية كلود جيان يقضي بطرد طلاب أجانب من بينهم عرب ومسلمون من فرنسا، ممن أقاموا فيها بطريقة شرعية، أو يعانون صعوبات عارضة، بعدما بالغت الحكومة في أعمال الطرد التي وصلت وفق الإحصاءات المتداولة إلى نحو 15 بالمئة، الأمر الذي تسبَّب في ردود فعل سلبية في البلدان الفرنكوفونية التي ترسل بعض أبنائها إلى المدارس والجامعات الفرنسية. ومن بين التحديات التي تواجه هولاند، ذلك التحدِّي الأفغاني في ظلّ ما هو متوقع من انسحاب فرنسا من أفغانستان بنهاية العام الجاري. وفي هذا الصدد أرسل هولاند مذكرة لحلف الأطلسي، وتأكيده على أنَّ سحب القوات الفرنسية لا ينطوي على إعادة نظر في موقع فرنسا بالحلف. أما عن سياسة هولاند والعرب، فإنَّ برنامجه الانتخابي يفصح عن بوادر تغيير أساسية في بعض الملفات العربية، وثانوية في بعضها الآخر وغموض تام في بعضها الثالث؛ ويلاحظ في الباب الأول تغيير حقيقي في سياسة فرنسا إزاء المهاجرين العرب الذين يشكلون الشطر الأعظم من الهجرة الأجنبية في فرنسا. وإذا كانت السياسة الاشتراكية تجاه العرب في فرنسا بعيدة عن التزمت والتحريض فإنَّ العلاقات الفرنسية مع الدول العربية لن تكون جامدة، وإنَّما متصلة بكل دولة على حدة، على نحو ما يمكن أن تكشف المرحلة المقبلة.