بعد شهور من المناوشات دخل أخيراً مرشحو الرئاسة الفرنسية مرحلة الجد بحيث يمكن القول: إن المعركة الانتخابية الحقيقية قد بدأت الآن. ورغم أن الحملة الانتخابية تبدو بلا نهاية، لا يجب السماح بحجب الأهمية الكبيرة لنتيجة الانتخابات ليس فقط لفرنسا وإنما لأوروبا كلها بما في ذلك بريطانيا. من ناحية يتوجه الفرنسيون إلى مراكز الاقتراع لممارسة اختيار تقليدي وواضح بين اليمين واليسار. الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي مؤمن للغاية بالسوق الحرة ويجمع بين مسحة قوية من الليبرالية مع الديجولية القديمة. أما منافسه الرئيسي فهو الاشتراكي فرانسوا هولاند فقد بدأ كمرشح بالصدفة عندما استفاد من فضيحة الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان التي أطاحت به من رئاسة الصندوق وبددت فرصه في خوض الانتخابات الرئاسية عن الحزب الاشتراكي. ولكن سرعان ما نجح هولاند في إثارة إعجاب المتشككين فيه عندما اظهر قدراته الخطابية العالية التي لم يكن قد أظهرها من قبل.كما أنه يأتي من خلفية سياسية تقليدية تعظم دور الدولة في الحياة العامة. وهناك تطورات صغيرة يمكن مراقبتها في هذه المعركة ومنها ارتفاع شعبية الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في أعقاب حوادث إطلاق النار الأخيرة في جنوب غرب فرنسا وهو ما يمكن أن يخصم من رصيد ساركوزي باعتباره يراهن على تيار اليمين بمختلف تنويعاته. في الوقت نفسه فإن الشعبية المفاجئة للمرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلينكو يمكن أن تخصم من رصيد المرشح الاشتراكي هولاند. في المقابل من غير المتوقع أن يحقق مرشح الوسط فرانسوا بايرو نتائج مميزة. ولكن السباق الذي كان قد بدأ في وقت من الأوقات محسوما ضد هولاند بسبب ركود الاقتصاد الفرنسي والصعوبات التي تواجه منطقة اليورو وهو ما يدفع الناخبين عادة إلى التمسك بالقائد الموجود في قمرة القيادة، يبدو أنه يتغير وأن الرئيس ساركوزي يحتاج إلى حشد كل إمكانيات حملته لقطع الطريق على هولاند نحو قصر الإليزيه. ورغم التقارب بين المتنافسين فإن الرئيس ساركوزي يمتلك عدة نقاط قوة أهمها تزايد أهمية ورقة الأمن في الانتخابات وهي ورقة يجيد ساركوزي التعامل معها منذ أن كان وزيرا للداخلية في عهد الرئيس السابق جاك شيراك. ولما كان الكثيرون من الناخبين الفرنسيين لم يحددوا خيارهم بعد فإن النتيجة ستتحدد على أساس هؤلاء الذين سيختارون أخف الأضرار من وجهة نظرهم من خلال المفاضلة بين المزيد من الدواء الذي يقدمه لهم ساركوزي أو العودة إلى حضن الدولة التي تعاني من أزمة مالية طاحنة. والخيار الأول يعني المزيد من نفس البحث الصعب عن حلول تكنوقراطية لأزمات أوروبا ككل. أما الثاني فيعني انقلاب السياسات الأوروبية رأسا على عقب حيث يمكن النظر إلى التغيير اليساري المفاجئ كاحتمال قائم. ومهما يحدث في انتخابات 22 أبريل، لا يجب أن يشكك أحد في أن الانتخابات الفرنسية قضية بالغة الأهمية لكل الأوروبيين. افتتاحية (إندبندنت) البريطانية