جدة هذه المدينة الحالمة على شاطئ يموج بكل التناقضات – ما بين مستثمر يحجب الرؤية لبيع مشهد الموجة ونسمات البحر.. وآخر يبحث عن مقعد لا يتجاوز مسافة نقلة قدمه في خطوة واحدة يمكن من خلالها ان يرى أو يسمع أو يتكلم عن ومع بحر كان يوماً للجميع بلا ثمن. وعلى اليابسة عاشت جدة لفترة طويلة من الزمن تحلم بمشاريع تنموية تتناغم مع مكانها ومكانتها وناسها دون ان تكتشف ان احلامها سوف تتبخر في ليلة ماطرة كشفت الكثير من عوراتها التي كانت مستورة.. تماماً كما كان فسادها مستوراً. جدة هذه المدينة التي تتزايد الحشود في رحلات لا تتوقف على الشتاء والصيف وبقدر ما هي رحلات فصلية سنوية من كل اطراف الوطن. البعض منهم يأتي للنزهة والبعض الآخر جاء قبل عامين ليرى ماذا فعلت الكارثة بارضها وانسانها واليوم يأتون ليروا ما تغيِّر في هذه المدينة بعد الصدمات القوية للكوارث وان كانت طبيعية.. لكنها تكتسب اهمية عامل الفساد وسوء الادارة وضعف الأمانة وهدر المال العام بلا مردود تنموي يليق بحجم المدفوعات وطموحات الدولة والمواطن هنا تأتي اجابة حقيقية على كل الاسئلة من خلال الواقع في مشهده العام اليوم. ويمكن اختصاره في عدة نقاط من ابرزها: ان الدولة قد فتحت خزينتها لمشاريع جدة بعد ان اكتشف حجم الكارثة والتي رغم آلامها إلاَّ انها كانت فرصة للأمير خالد الفيصل ان يستعجل خططه التنموية التي تضمنتها استراتيجية المنطقة. غير ان ذلك لا يمكن ان يساعد في رؤية نتائج ايجابية دون ان يكون هناك رجال على مستوى متميز في قيادة المشاريع الحكومية في جدة وفي المنطقة بكاملها. وتفعيل الدور .. بعيداً عن الاحلام والتعامل مع الواقع باستغلال الامكانيات. واذا كانت امانة جدة هي المحور الأساسي في عملية البناء والاصلاحات الادارية فان ذلك قد بدأ يتضح في ملامح جديدة من خلال الأمين الجديد الدكتور هاني ابوراس الذي قطع مسافة يشكر عليها من خلال "ديناميكية" العمل والشفافية والمتابعة فهو قد بدأ في اختراق المرحلة الاولى من كورنيش جدة لإيجاد متنفس للمواطنين والمقيمين بعيداً عن النزهة المدفوعة. وهي خطة ستعالج بقية اجزاء الكورنيش وتحد من سطوة المستثمر وهذا شيء جميل ومطلب لكل مواطن. في حين تم انحسار الشركات المتعثرة وسحب مشاريع الدولة من مقاولين ووضعهم في القائمة السوداء.. وهو ما أدى الى سرعة الانجاز خاصة في مجال فك الاختناق في مدينة جدة. وذلك من خلال الكباري والانفاق الجديدة وغيرها من المشاريع التي لم تكن لترى النور لولا توفيق الله ثم سخاء الدولة والمتابعة المستمرة لأمير الانجازات خالد الفيصل. صحيح ان البعض ينظر الى خطط امانة جدة بشيء من الاحباط واليأس .. لكنني اعتقد ان مرحلة مختلفة قد بدأت. وما ارجوه هنا ان يتم تشكيل "مجلس بلدي أهلي مستقل" يكون متطوعاً يقوم بعرض مقترحاته على امير المنطقة وامين جدة والمرافق الحكومية الأخرى وكذلك متابعة تنفيذ المشاريع .. لا ان يبقى دور الكثير من النخبة هو التنظير والنقد فقط.. باختصار نحن نريد ان تكون لنا مدن تتناسب مع امكاناتنا وطموحاتنا.. لا مع عناصر الفساد وغياب الأمانة والضمير. [email protected] Twitter:@NasserALShehry