بعد كارثة جدة الثانية، يتضح للمراقب أن الإشكالية السائدة حاليا ليس فقط في أمانة جدة بل في كثير من الملفات الحيوية؛ بأنها إشكالية إدارية بامتياز، وأقصد هنا إشكالية الفكر الإداري السائدة، وأساليب العمل، والأنظمة والتشريعات المعمول بها، بلديا وماليا ورقابيا وغيرها. فهناك رغبة واضحة ومعلنة من القيادة نحو التغيير والتطوير، كما أن هناك ميزانية ضخمة مرصودة للمشاريع الوطنية، ولكن المشكلة هنا تكمن في الأداء التنفيذي للأجهزة والمؤسسات، والذي تعترضه عدد من المعوقات أبرزها البيروقراطية الحكومية، والفساد الإداري، وضعف الكفاءات التنفيذية، وغياب أنظمة المساءلة والشفافية، وإنغلاق الدوائر الإدارية على نفسها عبر شبكات إقليمية ومناطقية أحيانا، أو كما وصفها الزميل الدكتور علي الموسى ب (كنتونات إدارية مغلقة)، أو ملثما شبهها الزميل الدكتور وليد عرب هاشم (بسرطان العنصرية). وهنا تبرز أهمية مراجعة الأنظمة والتشريعات القائمة، وإعادة النظر في مدى سلامة الجسم الإداري السعودي وحيويته، وقياس درجة حصانته من الأمراض المزمنة بالمعني الإداري، ومدى فاعلية محركاته التنفيذية في استيعاب الطموحات الوطنية العليا، وسن أنظمة فاعلة للمساءلة والمحاسبة، لحماية الوطن ومكتسباته. وهذا يستدعي إحداث حراك إداري نشط (واسع وشامل وغير تقليدي) وضخ دماء شابة في المنظومة الإدارية، وكسر الدوائر المنغلقة إداريا، وإنشاء مقاييس أداء وتقييم جديدة لكل مؤسسة، وتصميم معايير متابعة للمؤسسات الخدمية، بعيدا عن التقارير السنوية الإنشائية. فما هي معايير تقييم أداء أمانة جدة على سبيل المثال وهل تختلف معايير تقييم أداء أمانة جدة عن معايير تقييم أداء وزارة العمل أو وزارة التربية، فلكل مجال مقاييس تقييم خاصة به وتختلف عن غيرها. إن إعادة هيكلة أداء الأجهزة الحكومية وتقويمها تتفق ومضمون الخطاب الرسمي الرامي إلى التطوير والتغيير والانفتاح وإشراك القيادات الشابة في عملية صنع القرار الوطني، والارتقاء بأداء المؤسسات الوطنية، ورفع معدل الرضى الشعبي عن الأداء الخدمي. فليس من المنطق أن نجد الأفكار النبيلة، والنوايا الصادقة، والأموال المرصودة، والمشاريع الوطنية، تختفي أو تتعثر وتتبخر، بسبب تواضع الكفاءات، وتدني الإدارة، وتواضع الأداء، بينما تزخر المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بكوادر مؤهلة وقادرة على ترجمة طموحات الوطن وأهله إلى إنجازات يفتخر بها المواطن السعودي، ويعتد بها الرأي العام الوطني في مضمار التنافس بين الشعوب والأمم. والبداية هنا، هي إعادة هيكلة الحياة الإدارية وتوسيع حجم المشاركة الشعبية، وإشراك كافة شرائح المجتمع وقطاعاته دون استثناء في عملية البناء والتطوير. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 166 مسافة ثم الرسالة