في إحدى الرحلات التي كنت أنتظر الإعلان عنها في صالة مطار أبها،تحديداً في مطعم المطار.. لم يكن لدي حجز مؤكد، وكنت أنتظر مع أبنائي أن نتناول وجبة طعام، ثم نراجع الموظف لإمكانية السفر، دخلت امرأة كبيرة في السن ومعها شاب وفتاة وأخذوا يتجولون في المطعم، ثم كل شيئاً كان عادياً حتى علا صوت الشاب على الفتاة .. (تأخذين من هذا النوع)!! وهو يأمرها بأن تختار نوع الأكل الذي ستأكل..؟! لفت نظري صوته القوي واللهجة الآمرة القاسية،التي يخاطب بها الفتاة والمرأة الكبيرة ذات الملامح الحادة كاشفة الوجه لا يبدو عليها أي تعابير سوى التجهم والصمت وكأنها لم تسمعه، جلسوا على الطاولة التي بجواري بعد أن أخذوا الأكل،وبقيت الفتاة تتأمل الجوال وعلى وجهها مسحة حزن كبيرة، وأمرها الشاب مرة أخرى أن تأكل معهم ولكنها رفضت معتذرة بأن ليس لها شهية للأكل،فما كان منه إلا أن ارتفع صوته كالرصاص قائلاً لها:يجب أن تأكلي،والتي مثلك لا تأكل الا بالضرب والجزمة حتى تسمع الكلام...، انعقد لساني من الدهشة وانا انظر اليهم والمرأة الكبيرة لم تحرك ساكناً ولم تعلق على أسلوبه؟! وانضم اليهم رجل كبير أعتقد انه والدهم وكان يبتسم عندما صرخ الشاب على الفتاة..؟! تجاوزت تلك اللحظة المزعجة وانا ارمق الفتاة بنظرات العطف والشفقة وأستغرب موقفها الصامت من الإهانة!! ولكنها كانت تتجاوز كل ذلك بالنظر إلى الجوال الذي في يدها لتداري احراجها وقسوة من معها وقد آلمني الموقف جداً،وحاولت أن أشرب العصير واستمر في قراءة الكتاب الذي معي ولكن أفكاري تشتت .. ثم قدم لها قطعة خبز وهي ترفض وترد يده بلطف وحنان،ثم صرخ مرة أخرى وسحب من يدها جهاز الهاتف ورصعه رصعاً على الطاولة قائلا لها أتركي الجوال وكلي الطعام لاكسر راسك. عندئذ لم أتمالك نفسي وأنا أسمع كل هذه التعديات القبيحة،والكبار ساكتون له،بل وأعتقد أنها راضية تماماً عن ما يفعله ابنها البطل في نظرها؟! قلت له أن يصمت وان يحترم الفتاة ولا يخطيء في حقها والا يصرخ ويزعج الآخرين لأنه في مكان عام ويجب احترام المكان ومن فيه،وكان واضحاً دخوله (بزفة) على رأي أخواننا المصريين،أي انه يحاول أن يلفت النظر اليه وانه قوي في شخصيته صمت فجأة ثم تكلم الاب وقال هذه ليست اخته هي زوجته وبينهم مشكلة على الهاتف الجوال ومن حقه ان يسحبه من يدها ويمنعها من التحدث ويمنعها ايضا من الخدمة جميعها بوقف اشتراكها ومصادرة الجهاز. (أنظروا الى ثقافة الحقوق لدى الأب)؟!! وكانت الفتاة طيلة الوقت صامتة ولا ترد ولكن وجهها كان يعبر كل التعبير عن حزنها وضعفها وأنا لا أحب أن أرى المرأة ضعيفة مهما كان. فأقل ما فيها تدافع عن نفسها او تنهره بأن يخفض صوته وهو الذي لم يأبه بأحد بل وواضح انه يحتقر الجميع من حوله وممتلئ غروراً وصلافة غريبة، واستمر في مضايقتها ولم ينزل عينيه من عليها متحديا ومتربصاً بها. والمرأة الكبيرة ماتزال صامتة وكأنها تستمع بعذاب الفتاة، وقد برر الأب موقف الشاب بأنه زوج الفتاة ويحق له جميع ما فعله وبعد هدوء مشوب بالحذر. نظرت إليَّ الأم قائلة: انني اقحمت نفسي بينهم وانني يجب الا اتدخل في الأمور العائلية وايدها الاب في أنهم لو ذهبوا للصالة الداخلية للمطار لأخذوا راحتهم أكثر؟ في (التشنيع بالفتاة وحل مشاكلهم بالطريقة التي يفضلون)؟!! وهنا أضع مائة علامة استفهام حول ماهية التفكير في السلوك وماهية الاضطهاد للفتاة وماهية النظرة حتى للآخرين، ووجه الأب كلامه إلى زوجته بأن ليس عليها أن ترفع صوتها عليّ لأنني ربما اغضب ولأنني ربما اقف في صف الفتاة أو معها!. عندئذ أخبرتهم أن جميع ما فعلوه منذ دخولهم المطعم لا يليق وأن للتعدي على الفتاة مهما كانت المشاكل بينهم لا يجوز إنسانياً أبداً، وإذا كان هذا التعامل في المطعم وأمام الناس فكيف يكون في المنزل وعندما ينفرد بها،ويجب أن تقف الأم مع الحق والا تشجع ابنها على هذه الممارسات السيئة ورفع الصوت واهانة زوجته أمام الآخرين وقدمت بلاغا في شرطة المطار بذلك.