التقيت بمجموعة من الصحفيين الإيطاليين في عام 2005م في عشاء أقامه ابن خالتي الصحفي المخضرم ذا الميول الاشتراكية والذي يعمل ويا لسخرية القدر أو هكذا تخيلت في أكثر الصحف الإيطالية رأسمالية وهي الصحيفة التي يملكها أخ الرأسمالي الإيطالي الأشهر رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني، في ذلك اللقاء الذي أقيم مساء إحدى ليالي شهر مارس في مدينة ميلانو وفي مطعم عرف على مستوى المدينة بأنه المتخصص بالأكلات الشعبية لأهل مدينة فلورنسا كانت الأسئلة.. مع وبين الحضور تدور ما بين محاولتهم فهم السعودية نظاماً اجتماعياً لا سياسياً وما بين محاولة فهمهم للتراكيب والتداخلات العرقية والمذهبية في العالم العربي، فكيف لك أن تشرح لمجموعة من الناس تنوعت خلفياتهم وانتماءاتهم الفكرية ما بين الشيوعي الحركي والرأسمالي الانتهازي والبرغماتي النفعي الواقعي، فقد كانت محاولتي الشرح من جهة ومن جهة أخرى محاولة في التوفيق بينهم محاولاً أن أرسم لهم صورة مقربة للواقع الحقيقي وليس الواقع الذي رسمته لهم مكائنهم المسيسة وخيالاتهم الرومانسية، فمنهم من تصور العرب على أنهم صورة متشابهة من السيد حسن نصر الله، ومنهم من تخيل العويران وهدفه في بلجيكا على أنه صنيع السحر الذي هو متعة العامة أوقات الفراغ، بينما ترنم الآخر بصور من الثلاثينيات وآبار النفط تنفجر من بين خدود الصحارى. كانت الأسئلة حائرة معظم تلك الليلة، فقد أتعبني الجهد في محاولة فهم نظام سياسي إيطالي فيه من التعقيد ما يجعل حكم البساطة حلاً منطقياً، وفيه من العيوب والمآخذ والتناقض ما يجعل الحكم بسياسة القطيع حلاً أكثر إنسانياً وتفهماً وتعاطفاً مع طبيعة البشر المستضعفة، حاولت وحاولت أن أكوّن في مخيلتي تفسيراً لواقع سياسة إيطالية لم تر الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية ورغم ذلك وصلت هذه الدولة المتناحرة المشتتة العنصرية لمجلس العظماء الصناعيين السبع كما كانوا يسمون، وفي وقت رغم تشرذمنا نحن العرب لم نستطع حتى أن نصل لقائمة (غينيس) لأجمل إبل أو تيس. في نهاية تلك الليلة وأثناء ما كنت في طريق عودتي للفندق برفقة ابن خالتي سألته عن كيف بإمكانه أن يعمل في صحيفة رأسمالية انتهازية تغلّب مصالح الصفوة على مصالح الطبقة الكادحة خصوصاً وهو الصحفي المعروف عنه دعمه وتعاطفه مع الفكر والفلسفة السياسية الاشتراكية، فقال لي وهو يهم في وداعي عند باب الفندق، إن الصحفي والسياسي هما وجهان لعملة واحدة، فمثلما يسعى السياسي في إحداث التغيير من خلال محاربة خصمه السياسي في المجالس النيابية والساحات العامة كذلك الصحفي هو مناضل يسعى لتحطيم خصومه من خلال العمل معهم، فعندما يكبر الخصم يصبح فضح عيوبه أمر أسهل، وأنهى كلامه بقوله منذ متى يا ياسر كان الصحفي خارج دائرة الأحداث ومثالي المنطق والممارسة، أليس الصحفي هو وليد الواقع المتناقض وأليس الصحفي هو من يصنع ذلك الحدث المتناقض بنقله له. هل سنشهد في يوم ليبراليين يعلقون على الأحداث السياسية على شاشة المجد وشبكتها الواسعة الانتشار، وهل سيستضيف برنامج كلام نواعم مثلاً الشيخ الجليل صاحب فتوى ال...........، وهل سيتكون في يوم لوبي إسلامي في قناة العربية مثلاً أو لوبي ليبرالي في شبكة المجد، أم أن الإعلام في عالمنا العربي أصبح مسيّساً لدرجة أن الموضوعية كمفهوم ممارس هي فقط تلك التي تدور في محيط قناعاتنا نحن لا غير. إعلامي سعوي تويتر @alghaslan