خلال لقاء جمعني مع عدد من الإعلاميين والمثقفين والدبلوماسيين في الدوحة مؤخر دار حوار حول احتمالية وصول الجماعات السياسية ذات التوجه الإسلامي للسلطة نتيجة تطبيق الديمقراطية في عدد من الدول العربية التي نجحت فيها الثورات الشعبية والتي نهضت وتمردت على أشكال الظلم والهيمنة الأحادية للقرار. كان الرأي السائد لديهم هو ضرورة ألا تولد هذه الثورات وصول أي من الجماعات التي لا تؤمن بالرأي الآخر ومنها وفق رأيهم جماعات الإسلام السياسي والتي لا يمكن الوثوق بها كتكتلات سياسية كما يقولون نظرا لما عرف عنها تاريخيا بتحييدها للرأي الآخر ونزوحها نحو الفكر الأحادي والإقصاء بكافة أشكاله لأي رأي معارض أو مغاير للنظرة السياسية والاجتماعية التي تتبناها تلك الجماعات، إضافة لكون تلك الجماعات ترفض أساسيات الحقوق الإنسانية وفق التعريفات المدنية لها والتي تعطي المرأة مثلا حقوقا معينة لا يكفلها التطبيق الحديث للإسلام والمبني على تفسيرات منغلقة ورافضة لأي تعايش مع المجتمعات المغايرة. لن أدخل في محالة لتأكيد أو نفي ما استند عليه هؤلاء من من يرفضون بشدة وصول التيارات الإسلامية للحكم، فلست مدافعا عن ذلك التوجه أو ذاك، ولكنني سأطرح عدداً من التساؤلات حول فكرة الديمقراطية لدى بعض شرائح مثقفينا والذين قد يتصورون أن تطبيق هذا المبدأ السياسي يأتي معلباً وجاهزا للتطبيق دون أن يكون لذلك من مشاكل آنية وتجاذبات قد تعطل وقد تدفع نحو التحول التدريجي لمجتمع يقبل بالرأي و الرأي الآخر بكافة أجنحته و بالتالي مجتمع يقبل بالتعددية الفكرية والتعددية السياسية. لا يمكن قبول منطق يقول بأننا نريد أن نطبق الديمقراطية في الدول العربية وفي ذات الوقت نقول بأننا يجب ألا نشرك التيارات الإسلامية في العملية السياسية لأنهم لا يقبلون الرأي الآخر، فهذه ستكون ممارسة حية ومقيته تثبت بأن مطلقها هو ذاته لا يقبل بالرأي الآخر الذي كما يصفه لا يقبل بالرأي الآخر، وعليه فإن التكوين المرحلي للمجتمع السياسي في مراحله الأولية بعد إحداث التحول يجب أن يمر بمرحلة مخاض تصطدم فيه الجماعات والتيارات ويبقى قويا فيها فقط من يملك المرجعية والمعرفة السياسية والرؤى الإستراتيجية لكيفية التعامل مع المجتمع و سياسياته و مع المنافسين و تحالفاته، و عليه فإن الضعيف وغير القادر على كسب تأييد الأغلبية من أبناء المجتمع هم من سيطلقون مثل هذه الدعوات المنطلقة من فكرة التحييد خوفا من هيمنة منطقية على القرار المنبثقة من رأي الأغلبية المساندة. إن قررت الأغلبية أن يفرض على المرأة تغطية وجهها نظاما و ذلك من خلال التصويت على ذلك في مجلس منتخب من الأمة و بتمثيل ديمقراطي لا يقبل التشكيك، فهل ستقبلين يا سيدتي القرار أم لا ؟، هذا كان سؤالي لإعلامية حضرت النقاش وكانت من أشد المعارضين لوصول التيار الإسلامي الذي تراه متشددا مهما لان، و هو ذات الرأي الذي تبناه أحد رجال الأعمال و آخر دبلوماسي مخضرم، فتنوعت الإجابات حول ذلك ما بين من حاول مناقشة السؤال بدلا من الإجابة عنه وبين من فضل اللعب بالكلمات و العبارات هربا من إيجابة مباشرة على السؤال، واستخلصت بعد نقاش وتجاذب فكري بأن تلك السيدة أمامها ثلاثة خيارات، فإما تطبيق النظام المبني على رأي الأغلبية أو العمل على دعم الجهود السياسية نحو تغيير القانون بالطرق الديمقراطية أو الهجرة لدولة بإمكانها أن تعيش فيها وفق ما تقرره ديمقراطيات تلك الدولة أو تلك والتي تتماشى مع نظرتها هي لطبيعة وكيفية حياة المرأة. لا شك في أن الديموقراطيات التي تنتج لنا فاشيات أو ديكتاتوريات أنظمة هو أمر مرفوض مهما كانت المبررات، ولكن في ذات الوقت يجب ألا يتخوف الإنسان من الإصابة بالزكام لمجرد شرب الماء البارد كما يقولون، فالشعوب بعد الأحداث التي شهدها العالم العربي أصبحت أكثر وعيا لكيفية مراقبة أداء الساسة ولديها - أي الشعوب - من حس المسئولية الجماعية ما بإمكانه أن يحمي أي مجتمع من هيمنة الرأي الأوحد شخصا كان أم تياراً، فالتعددية كأساس اجتماعي احتفلت أخيرا بتحقيقها اعتراف الشعوب كحقيقة لا تقبل الجدال، وعلى هذه الشعوب التي استطاعت أن تنهض بنفسها أن تعمل جاهدة على وضع الضمانات الدستورية لكي يتحول المجتمع سياسيا واجتماعيا إلى قوة منبعها التنوع والقدرة على التطور باستمرار لمواجهة أي تحديات مرحلية ناتجة على محاولات الهيمنة أو التحييد من أي طرف تجاه أي طرف آخر، و لمن يخاف وصول التيارات الإسلامية أقول بأنكم إن كنتم ولازلتم ضد وصولهم فإنني أعتقد بأنكم لستم مؤمنين بالديمقراطية كما تتصورون فربما قناعاتكم هذه هي أقرب لنظام أحادي يضمن التعددية و لا يمنحها حقوقا، و هو ما يسمى بالديمقراطية الكذابة. إعلامي سعودي تويتر @alghaslan