* تقسيم المجتمعات وتصنيفها موجود منذ زمن طويل؛ ولم يسلم مجتمعنا من هذه التصنيفات؛ فلدينا سلفي، وتبليغي، وصوفي، وقبوري، وشعوبي، لكن زادت هذه التصنيفات في العقدين الأخيرين؛ ليضاف إليها : ليبرالي، وحداثي، وتقليدي، وتغريبي، وعلماني، لدرجة أنه لم يعد الإنسان « نفسه » يعرف هويته الفكرية والثقافية، فبالرغم من أنني كنت أعتقد أنني سلفي، لكنني فوجئت بأحد طلابي في الجامعة يستوقفني بعد أن أنهيت إحدى المحاضرات ليصارحني برأي بعض زملائه في أنني علماني !! فسألته ما تعريفك للعلمانية ؟ فلم يجب!! فهم يستمعون من غيرهم عن هذه التصنيفات ولا يعرفون معانيها !! ولا أدري لماذا صنفت بذلك ؟ هل لأنني كنت أقارن بين سلوكياتنا وسلوكيات الغرب، ومطالبتي بضرورة الالتزام بالنظام والمواعيد واحترام الآخر مثلهم، وكذلك الأمانة؛ حيث لا أحد يسرق زجاجات الحليب والصحف والمجلات عندما توضع عند الأبواب صباح كل يوم في لندن مثلاً في حين تسرق عندنا أحذية المصلين في المساجد !! ومثل هذه الأخلاقيات التي يسلكها الغربيون هي الأخلاق التي ينبغي أن يلتزم بها المسلم؛ لذا يقال إن الإمام محمد عبده بعد أن زار لندن، قال : وجدت إسلاماً، ولم أجد مسلمين. وكان الأقرب أن أصنف بأنني تغريبي، مما يؤكد أن هذه التصنيفات ليس لها معايير محددة بل هي انطباعات نتيجة للطرح الذي يطرحه المثقفون وحملة الأقلام، وكذلك أعضاء هيئات التدريس في الجامعات والمعلمون والمعلمات في مراحل التعليم العام، لذا فهي ليست لها مصداقية؛ لأنه قد يصنف زيد من الناس بأنه «ليبرالي» وبعد مدة يصنف عكس ذلك !! وضرر هذه التصنيفات والتقسيمات على الفكر والثقافة يحدث عندما يتحكم ويسيطر بعض من يدعون تبعيته لتصنيف من هذه التصنيفات، مثل : بعض المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام، حيث لا يشارك في المواسم والمنتديات التي تشارك فيها الوزارة في الخارج أو الداخل بصفتها راعية للثقافة في البلاد إلا مجموعة من الأسماء تتكرر دائماً في دعوتهم ومشاركتهم «لأن الوزارة تصنفهم بأنهم الأصلح دائماً!!»، وينطبق الحال على الأندية الأدبية والثقافية في مدن المملكة لأن أعضاءها بالتعيين وليس بالانتخاب !!، وكذلك في كل المناسبات من مؤتمرات وندوات ولقاءات فكرية وثقافية داخل المملكة وخارجها؛ لأن كل فريق يحاول أن يفرض أصدقاءه وشخصياته ورأيه وتوجهه بالرغم من الأثر السلبي لذلك على وحدة المجتمع. * وحتى لا تؤثر هذه التصنيفات والتقسيمات في المشاركة الإيجابية لصالح الوطن والمواطن في حاضره ومستقبله فإنه لابد من احترام آراء الآخرين وعدم إقصائهم أو محاربتهم بسبب تصنيفهم بالضد لهم، ومع هذا فإنه ليس هناك خوف من هذه التقسيمات على وحدة المجتمع إذا سلمت العقيدة إلا إذا حاول فريق الانتصار على الآخر بالتعصب لرأيه ومحاولة فرضه على الآخرين. ** قبسة : الرأي المسبق مزعج لأنه يستبعد كل حكم ! [ حكمة لاتينية ] مكةالمكرمة : ص ب: 233 ناسوخ: 5733335 [email protected]