مع تزايد أمراض المجتمع ومع تسارع وتيرة الأخبار التي تصلنا كل يوم و التي تتعلق إما بقرارات إدارية أو أحداث اجتماعية أو صور حياتية يعتبرها البعض تجسيداً لفصول من روايات ألف ليلة و ليلة أو لمشاهد من مسرحيات شكسبير و تحقيقاً لنبوءة أبيات من قصائد مظفر النواب و جماعته من ثوار الكلام و التعابير الصادمة، أجد نفسي حائراً أتساءل عن حقوق الأشخاص المضطربين، و أسترجع قليلا بعض العبارات التي تعلمناها في المدارس حول الأمانة و المسؤولية في الحقوق و الواجبات و كل المعاني العظيمة و التي لم يبق منها مع الأسف إلا تعابير نظرية يندر لها وجود فعلي في هذا العالم المتأزم مع ذاته. عندما أسأل عن هؤلاء المضطربين هنا فإني لا أقصد هؤلاء الذين ينزلون المستشفيات أو المراكز النفسية، بل هؤلاء الذين يعيشون بيننا في مكاتب التنفيذ و أروقة القضاء و دهاليز التوجيه، هؤلاء الذين يقول عنهم المطبلون بأن اضطرابهم نابع من جنون عظيم، و هو أمر وفق تحليلهم الخارق لا يمكن لنا كأفراد و عامة أن نستوعبه، فنحن ليس لدينا المقدرة العقلية و لا الروحية في تفهم تلك الدرر التي يخرجها هؤلاء، حيث إن مخرجاتهم تفوق مقدرتنا على فهم الأفكار المجردة و التي لا تنبع عن أي هوى بل هي تجسيد لقدسية فكرهم و تفعيلا لإرادة العدل في مجتمع جل مكوناته الشعبية صفوفا مائلة. المضطربون وفق تعريفي هنا هم هؤلاء الذين يقررون و يصدرون أحكاماً و قرارات لا تتواءم مع معطيات الزمان و لا تبنى على حيادية المنطق و ظروف المكان، و قبل كل شيء لا تبنى وفق روح مبادئ الدين و الشرع و الذي هو صالح لكل مكان و زمان،فالاضطراب كعنصر في العمل لا يمكن أن يكون مقبولاً من منطلق أنه يصدر عن عقل أرادت الظروف أن تضع صاحبه في مكان ما في زمان ما ضمن ظروف معينة بعد أن أسبغت عليه شيئاً من الهالة و قررت أن يكون مندوباً سامياً للمنطق والعقل و الإرادة العادلة. من أكثر المنغصات التي لا أجد عندي المقدرة على تجاوزها أو تفهمها هي تلك التي تتعلق بتصرفات وقرارات و تصريحات لبعض المسؤولين يكون فحواها و منطقها تأكيداً لحالة إضطراب نفسي أو تشنج عقلي ربما يعلمون عنه و ربما لا يعلمون، فتجدهم يقومون بتقديم تبريرات لأخطائهم بطريقة لا يمكن اعتبارها إلا كالعذر الذي كان أقبح من الذنب، فيقوم بإعطاء الوعود مستخدماً تعابير سطحية و عامة مصرحاً للإعلام بجمل استطرادية فيها من العبارات الرنانة ما يعجب السامعين و يتعاطف معها فؤاد كل ساذج بسيط. لا يمكنني هنا أن أتجاوز ما يصدر عن بعض المسؤولين من تصريحات تثبت وجود حالة الاضطراب التي أتحدث عنها فقط لكونهم في مراكز حكومية أو أهلية، فالمركز الذي هم فيه الآن سيؤول يوما ما لغيرهم،و الهالة المصطنعة التي يعتقدون أنها تحصنهم اليوم لن تحميهم للأبد، و بالتالي فالتعاطي مع المحيط من منطلق أن الاضطراب الوقتي مقبول لأن الكرسي باستطاعته أن يحول منطقه المضطرب إلى منطق عظماء هو أمر يعتبر الإيمان به اضطراباً مركباً و جهلاً متأصلاً. إذن ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع هؤلاء المضطربين في ظل هذه الازدحام الكبير من المنغصات اليومية و التساؤلات المتراكمة و التعابير الرمزية التي تحاول أن تقول دون أن تقول خوفا من لوم مضطرب أو عتاب صديق أو توبيخ مسؤول، و ما هي واجبات هؤلاء ممن ندعو الله أن يعافينا مما ابتلاهم تجاهنا نحن المرغمين إعطاء كراسيهم و مراكزهم الجرعة اليومية من التصفيق التشجيعي و ابتسامات المجاملة و التبريكات الصباحية على إنجازاتهم الهلامية. الجواب في تقديري و بعيداً عن أي اضطراب قد أتهم به أقول، يجب نزع الهالة المصطنعة عن أي مشتغل في العمل العام وأن يتم التعامل معه وفق أسس الضوابط والتوازنات ( checks and balances ) و أن تكون هناك مؤشرات أساسية للأداء تكون أساس التقييم و الجزاء و الثواب، و أن تدعم مالياً و بشرياً كل المحركات الرقابية الرسمية و غيرها و ذلك بهدف التأكد من عدم ظهور دلائل ومؤشرات الاضطراب لدى ذلك المسؤول أو ذاك، فمن الصعب الاستمرار بالتغاضي عن تبريراتهم السقيمة من قبيل اتهام الجن بضلوع قاضٍ بالرشوة كما حدث قبل عام، أو تجاوز بيع الأوهام الناتج عن أخبار مذكرات التفاهم السطحية و عقود التنفيذ الوهمية لتلك الجهات التي تهدف من ذلك الدعاية و كسب الوقت، أو قبول قيام جهات و شخصيات رسمية بطرد الصحفيين من الفعاليات العامة على الرغم من التوجيهات العليا في الدولة والتي تطالب وسائل الإعلام بأداء عملها بشكل مسؤول و ذلك بمراقبة أداء الوزير قبل الغفير. إن كنا نريد أن نحارب الفساد ونجتثه من إعماقه فعلينا أن ننظر للأمور أيضا كأطباء نفسيين و ذلك لنفهم أن الفساد هو اضطراب أخلاقي قبل كل شيء ينتج عن قناعة الفاسد بأنه فوق القانون أو ربما أذكى منه، و هو الشعور الذي يتزاوج كاثوليكيا مع فكرته باستغفال الناس و بيعهم الوهم بكلمات أصدق ما فيها أنها تجسيد حي لكلمة الكذب و الخداع. تويتر @alghaslan