دعونا نتفق على أن وظيفة الصحف الأساسية هي أن تكون عيناً ترى بوضوح مواطن الخلل بألوانه المختلفة والأخطاء بأنواعها المتعددة، داخل مؤسسات المجتمع حكومية وأهلية والمؤدية الى إضرار بالمواطنين، تكشفها وتوجه إليها الأنظار، حتى تزول الأضرار وتعالج الآثار، هذه هي المهمة الأساس للصحافة في عالم الناس اليوم، حتى أنهم اسموها السلطة الرابعة من أجل ذلك، شعورا بأهمية العمل الذي تقوم به، والقيود التي تفرض على النشر في الصحف كلما تزايدت أوهنت دورها المباشر في المراقبة، حتى تتراجع الى الحد الذي يجعل منها احياناً نشرة من نسخة واحدة، إنما تختلف فيها العناوين فقط ويتطابق المحتوى. فالجانب الخبري في الصحف اليوم تكاد أن تكون واحدة، وكالات للأنباء تجمع الأخبار وتصورها على مدار الأربع وعشرين ساعة وتوزعها على الصحف والأخبار الداخلية المحلية في صحفنا مصدرها في الغالب إدارة علاقات عامة في الإدارات والمؤسسات تصلها في احيانٍ كثيرة في عبارات وصيغ متحدة، فلا يبقى في مثل حالة صحفنا ما تتمايز به سوى المقالات النقدية، التي تكشف خطأ هنا وخلل هناك، فإذا غاب عن بعضها هذا اللون من المقالات فلا أظن أنه يتبقى لها ما تنافس به الصحف الأخرى. والمعلوم بداهة إن الرقابة المسبقة قد ألغيت عن الصحف منذ زمن طويل، وأما الرقابة بعد النشر، التي تعنى المحاسبة على ما نشر فقد قل حتى كاد لا يذكر، ولم تبق من رقابة تضر بالصحف سوى ما تمارسه ادارات التحرير والذي قد يكون له احيانا وجاهة تعذر معها، وأكثره لا يكون له سبب سوى سوء فيهم للتعليمات التي تصل الصحف احيانا، أو فوبيا الرقابة اللاحقة، وهذا اللون الممارس من قبل التحرير اذا قاده في الصحيفة من لا خبرة له بالعمل الصحفي، ولم يحمل من المعرفة ما يستطيع به أن يميز بين ما يدفع صحيفته في ساحة المنافسة، وما قد يخرجها من المنافسة بالكلية، ولعل هذا ما يفسر لنا اليوم تراجع بعض الصحف، التي حققت في الفترة السابقة القريبة قفزة نحو المنافسة في الميدان الصحفي، فإذا بها تتراجع يوما بعد يوم، وتبحث عن السبب فلا تجد سوى هذه الرقابة على المقال النقدي الجيد، الذي يعتمد كاتبه النزاهة والبعد عن الغرض الشخصي ويملك على ما يقول الحجة والبرهان، وحتما حشد المقالات التي لا تحمل نقداً لا تصنع صحيفة ناجحة، فهل تدرك صحفنا هذا، هو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص.ب: 35485 جدة: 21488 فاكس: 6407045 [email protected]