رحم الله أبا حنيفة مد رجله في الوقت المناسب، أما نحن فليس لدينا أرجل أصلاً لكي نمدها!... لأن ركض الحياة في هذا القرن أنهك كل شيء!! ما هي الحكاية: - الصحفي هذه الأيام علمي.. عصري.. فني.. يكتب بالعطر وساعات الذهب والفسيفساء بحساب دقيق.. أما صحفي أيام زمان.. فهو كاتب إن شاء يكتب بالفحم والبوية على أسوار المقابر وأطلال امرئ القيس وسطح مياه الخليج ورمل الصحراء.. هذا هو رأي أحد الكتاب المحروسين الصغار.. النشامى!! عاصرت صحافة الفحم والبوية.. وصحافة الحرير والنايلون وخرجت بنتيجة مفجعة وفرق مذهل كالفرق بين الذهب والتنك.. بقي أن تقولوا أنتم لصالح من هذا الفرق؟ في عهد صحافة الفحم والبوية في "شارع المرقب" كانت الوجبة الصحفية تستغرق وقتاً طويلاً من التعب والعرق ولا تنضج حتى تعمى العيون من الرماد والدخان!.. ولكن الوجبة في النهاية لذيذة حاذقة!... والسبب أنه كان هناك صحفي يخجل أن يكتب حرفاً واحداً لا ينتمي إلى روحه وقلبه.. ودمه.. وأعصابه. أما في عهد صحافة الحرير والنايلون فالوجبة الصحفية سريعة جاهزة.. هي من المعلبات ومن الكمبيوتر.. والفاكس ميلي والهاتف ووكالات الأنباء والأقمار الصناعية!.. تخلط وتقدم للقارئ وبالصحة والعافية.. يفتح الله!! لأن أبا حنيفة قد مات وأمه ماتت أيضاً.. ومع هذا فنحن كمجموعة لا تزال تُقدم مرة بعد أخرى على إصدار الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية.. وها هي صحافة هذا العصر وفرسانها يتقدمون خطوة استعداداً لتلك المغامرة أو "القفزة في الهواء" والخروج أسبوعياً.. بين يدي وعين القارئ. ها هم البعض يكدسون الصفحات في صحف الخليج ظناً منهم أنه مقياس للصحافة الناجحة ولم يدركوا أن الكاسب الأكبر مصانع الورق الرومانية.. وها هو أخونا عثمان العمير يؤكد أنه كسب الجولة عبر صحيفته الأثيرية إيلاف مما دعاه أن ينعى الصحافة الورقية.. ثم لا أعلم من الذي قال يوماً: قد يكون صديقنا داود الشريان أو أنه الصديق الآخر عثمان العمير لو أن كل صحيفة تصدر حسب ما لديها من مادة صحفية تقيسها على عدد صفحاتها المتاحة.. لكان أفضل من هذا التفاخر بعدد الصفحات. قوة الصحافة ليست بعدد صفحاتها ولقد لا تكون بملاحقها المنفردة.. ولكن بقوة تأثيرها في مجتمعها وحجم طلبها والإقبال على قراءتها.. لأن العمل الصحفي الرصين هو الذي يطبخه الديسك المركزي في الصحيفة من تحقيقات استقصائية واستطلاعات جديدة. والصحيفة لا يمكن أن تكون نشرة مشابهة لما تصدره إدارة العلاقات العامة محتوية على الأخبار المعدة عن المسؤول فلان أو علان.. لأن مهمة الصحيفة هي الاستجابة لقضايا المجتمع. ولعل ما نال من قدر الصحافة هو الادعاء الفارغ بالبطولات الزائفة التي تصدر عن البعض ممن تبوؤوا مناصب إعلامية، فلا يرون إلا إنجازاتهم، ولا يثنون إلا على أعمالهم.. رغم أنهم أحوج ما يكونون إلى إعادة التقويم والتطوير.. لأنه ما زال أمام الإعلام السعودي والعربي الكثير لكي يستجيب إلى متطلبات التنمية وحاجات القراء.