ذات مرة وقبل سنوات كنت في بلد عربي شقيق أقضي إجازة قصيرة.. وكانت لي معرفة بشاب مثقف.. يحتل مركزاً جيداً في إحدى صحف ذلك البلد.. وذات يوم كنا نتحاور في كثير من القضايا في أحد المقاهي المطلة على البحر في ذلك الصباح الباكر.. وكان أمامي فنجان قهوة بعد أن انتهيت منه بلا قصد "كفيته" في الصحن.. وفجأة صاحت امرأة كانت تشاركها بعض النسوة كن يجلسن في الركن الآخر من المقهى وزوجها الصامت بينهن. .. "بتقرأ "الفنجان"..؟! وحبكت النكتة معي فقلت نعم.. وبسرعة دلقت ما في فنجانها في جوفها وكفته هو الآخر.. ومدته إلي وهي كلها ارتباك لمعرفة ما يخبئه لها هذا الفنجان.. و"بخبث" لا أنكره رحت أحملق في الفنجان وبطرف عيني أتابع حركاتها ونظراتها مع زوجها الذي لم ينطق بكلمة ورحت أسرد عليها من مصائب الدنيا.. ومشاكلها وبين كل كلمة وأخرى أقول لها عن جملة "فرائحي" وهي في كل مرة "تلكز" زوجها سمعت أنا بأقول من زمان.. إن هناك من يلاحقني.. وانهيت الاستطلاع في قعر الفنجان وأنا أضحك على هذه السذاجة التي يتمتع بها هؤلاء. كنت استمع إلى صديقي وهو يقص عليَّ هذه الحكاية التي جعلتني أتذكر ذلك الرجل الأسمر عندما كان يمر من الشارع الترابي يختفي الأطفال ويتركون ألعابهم ويتوارون خلف الأبواب وعيونهم تتابعه في خوف. إنه الرجل الذي يتعامل مع "الجن" هكذا كان الأمهات يصفنه لهم، كانت عيناه الحمراوان تزيدان من غموضه، عندما يختفي داخل ذلك "الزقاق" الضيق حيث مسكنه في آخر الزقاق غير النافذ، يعاود الأطفال ألعابهم. كما تذكرت هذا الذي قصه ذات مساء أحد الأصدقاء وأنا اقرأ عن ذلك الرجل الذي ضحك على أكثر من 1000 شخص حصل منهم على مبالغ طائلة وفي النهاية يكتشفه طفل لا يتعدى التاسعة من عمره عندما طلب منه أن يعلمه عن منزل جيرانه الذين كانوا على موعد معه في اليوم التالي للكشف لهم عما يعانون منه من متاعب متعددة .. فراح الصبي يخبر صاحب المنزل بما طلبه منه ذلك المحتال الذي يجمع المعلومات ثم يدلقها في أذن الضحية كأنه يكشفها اللحظة.. وياما في الدنيا من مهابيل. ** آخر الكلام جلست والخوف بعينيها=تتأمل فنجاني المقلوب قالت يا ولدي لا تحزن=فالحب عليك هو المكتوب فنجانك دنيا مرعبة=وحياتك أسفار وحروب إلى أن يقول: بصرت ونجمت كثيراً=لكني لم اقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك=لم أعرف أبداً يا ولدي أحزاناً تشبه أحزانك=مقدورك أن تمشي أبداً في الحب على حد الخنجر=وتظل وحيداً كالأصداف وتظل حزيناً كالصفصاف=مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع=وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ