إن من البشر من يكره النقد، ولا يعترف به، ولا يراه سبيلاً للاصلاح والتصحيح، وكشف ألوان الأخطاء والقصور، ومعالجة الاوضاع المتردية، فالصحافة قامت على النقد، واعتبرت الوسيلة الثانية للمراقبة والمتابعة، بعد الدور الرقابي الذي تقوم به المجالس النيابية المنتخبة في الدول الحديثة، لذا سميت السلطة الرابعة، بعد سلطة التشريع فسلطة القضاء فسلطة التنفيذ، والنقد بألوانه المختلفة، وسائر ألوانه وأنواعه اصبح ضرورة للنهوض بالاوطان والامم، وكل امة لا تجعله الوسيلة المثلى للوصول الى ما يجب مباشرة الاصلاح فيه، فإنها تسلم نفسها للركود والخمول ومن ثم التخلف، وحينما نجد في مجتمع كثرة من الاصوات النشاز التي تريد تكميم الافواه، وكسر الاقلام، وتريد ان تلغي دور الصحافة في النقد فاعلم ان هذا المجتمع اوضاعه تتدهور، فالمستفيدون من تدهورها هم اعداء النقد. وما نسمعه اليوم في بلادنا من دعوات تطالب بإلغاء النقد، وتهاجم الصحافة الوطنية لممارستها دور الناقد، ولظهور بعض النقد فيها لجهات رسمية أو اهلية ترتكب اخطاء، او افراد تصدر عنهم افكار فادحة الاخطاء انما هو كراهية شديدة للنقد وسيلة الاصلاح الاساسية، وطبعا لن يلتفت احد لهذه الدعوات على الصعيد الرسمي وعلى الصعيد الشعبي، وستظل الحرية التي تمارسها الصحافة في ازدياد، وان ارعبت قلة مصالحها تقتضي منهم الوقوف في وجه كل تطور ينقل البلاد الى وضع الافضل والأمثل، فما نسمعه اليوم بتردد عند انتقاد شخصي يتعمد دوماً اثارة جدل عقيم حول قضايا، الحق فيها من الوضوح بمكان لا يلتبس الا على جاهل، مثل قضية طواف النساء مع الرجال حول الكعبة، فيخرج من الشقوق من يقول: إن هذا اسقاط للرموز الدينية، وهل يصلح مثل هذا ان يكون رمزاً لاي شيء، وكأن الدين لا يمثله إلا مثل هذا، الذي يهرف بما لا يعرف، فما هي إلا كراهية النقد، ولان من يكرهه حتماً هو من تقع منه الاخطاء الفادحة، ولهذا فالصحافة اول اعدائه، فوظيفتها النقد، ولهذا هو من يبحث عن معايب ونقائص يلصقها بها وهي منها براء، ولا يدرك هذا المسكين ان سنة الله في كونه تقتضي التغيير لكل ما هو خطأ أو ضرر يلحق بالمجتمع، فهلا كف مثل هذا عن عبثه احتراماً لنفسه وللناس هو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 1407043