تجلس في استرخاء.. تستدعي ذاكرتك.. تغوص في الماضي البعيد والقريب، تقرب أمام عينيك شريطاً مليئاً بكل التفاصيل التي مرت بك أو مررت بها.. تضع يدك على خدك وأنت ترى كل هذا التزاحم الذي ينهال على ذاكرتك المشحونة بالرائع.. والباهت والمفرح والمحزن والضاحك والباكي. تبرز أمامك كل المواقف التي اعتقدت أنها طمرت مع الأيام فترى هذا الذي محضته الصدق فكذب عليك والذي أحببته وأعطيته من نفسك المكانة الرفيعة لم يرف له جفن وهو يكيد لك.. وذلك الذي أخلصته لذاتك حتى خالطك في كل شيء فجأة غرس في ظهرك خنجراً مسموماً وهو يضحك بكل قواه. تعاود تقريب الصورة أمام عينيك أكثر، تفرك جبهتك كأنك تنشط ذاكرتك لترى ما هو جميل فترى ذلك الصديق الذي أعطيته كل تاريخك وأيامك ومستقبلك يضع أمامك كل ما يملك من وسائل ليحيلك الى رماد يذروه مع رياح الخماسين. تتحرك من جلستك، تغير مكانك تذهب إلى أكثر من مكان لعلك تجد صورة واحدة لا غير تحمل شيئاً مفرحاً.. بعد جهد تجد بين ركام الذكريات بعضاً من فرح.. وجزءاً من وفاء.. تحاول جاهداً أن تتبين هذه الملامح تقرب الصورة منك أكثر وأكثر فتصاب بالغم من جديد لأنك لا تجد إلا إغراقاً في النكران ومزيداً من الاساءة والجحود.فتصمت وتبتلع أساك.ولكنك تعاود المحاولة مرة أخرى، تقلب اللوحة فتتشابك الخيوط، تحاول تفكيكها، ترى ملامح وجه مشرق يعطيك ابتسامة ناصعة تشرق في داخلك الحياة من جديد، تضم كفك على الصورة، تغمض عينيك في هدوء.