إنّ ما حظيت به الصحف في بلادنا من اتساع مساحة حرية التعبير ، إلى القدر الذي جعلنا اليوم نبوح بأفكارنا دون وجل، ما دمنا نرعى مقدسات الدين ونحترم مقومات الوطن، ونطمح ولا شك إلى مزيد من هذه الحرية المسؤولة، ومع طموحنا هذا فإننا نتمنى أن تنتهي الرقابة بشكل تام على ما ينشر في الصحف، سواء قبل النشر أو بعده، بل وألا يتذاكى علينا بعض محرري الصحف فيظن أنه بمنع النشر يحمي الوطن، فالخطأ في الرأي يصححه رأي مثله. وحتماً لا يصححه الإلغاء، وقد ثبت أن الإلغاء لا يقتل فكرة، بل لعله يزيدها وهجاً ويجعل لدى الناس قبولاً لها، فمن أطلق المثل القائل: "كل ممنوع مرغوب" عقل هذا الأمر وأراد لنا أن نتجنبه، وكلما سمعت عن منع كاتب في صحيفة من الكتابة سواء لمدة محدودة أم غير محدودة، كلما أدركت كم قدر الحظر الذي تتعرض له مساحة حرية التعبير الوليدة، والتي لا تزال في مرحلة مبكرة في النشوء، وخشيت عليها من أن تتقلص حتى يؤول الأمر إلى إلغائها بالكلية، وكثرة القيود - سادتي- تلغي الحرية ولا تضبطها وإن ايقاف مسؤول لأنه سمح بنشر مقال، ثقل على الرقيب المعين أو المتطوع أن يتحمله لهو من البوادر الأسوأ في طريق ينتهي بإلغاء تام لحرية التعبير، فما من مقال يرضي الجميع، بل كل مقال ينشر سيجد من يرى فيه خطراً أو تجاوزاً، وحرية التعبير هي أهم الحريات العامة، التي ناضل العالم زمناً طويلاً لتتوفر لكل المواطنين في شتى دوله وأقطاره، ونحن حينما نطالب بمزيد من حرية التعبير إنما نطالب لكل مواطن بالحياة، فالحياة إذا لم تتوافر للفرد فيها الحريات الأساسية، وأهمها ولا شك حرية التعبير لم تعد حياة في الحقيقة فهي أشبه بالموت، فكم من حي بيولوجيا لكنه ميت معنويا، فمن لا يستطيع التعبير عما يختلج في صدره من أفكار وآراء، ولا يجد من يسمع له فإنه تدريجيا يفقد الاهتمام بالحياة والاحياء، وكلما كممت أفواه الناس فأنت تدعوهم إلى أن يستخدموا عضلاتهم في الدفاع عن حقوقهم، فما تنشأ الحركات السرية المتوسلة بالعنف إلا لهذا، ولنحمي وطننا من كل سوء فلنوفر فيه الحريات العامة وعلى رأسها حرية التعبير، فهل نفعل .. هو ما أرجو والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 64070430