كلما حدثت هذه التظاهرة الحضارية المهمة على أرض وطننا، أعني معرض الكتاب كلما كشفت لنا قيمة المعرفة في أذهان بعضنا، المتمثلة في فزعهم الشديد منها لأنها بالنسبة اليهم مجهول يتوجسون منه خيفة، لجمود اعتراهم فكريا، فلا يرون إلا ما صب في أذهانهم صباً على أنه المعرفة الوحيدة، حتى كأنه قد غسلت أدمغتهم فلا يمكن أن يدخلها شيء سوى ما زرع فيها سابقاً، يظنون أن الإسلام بكل ما فيه من مواطن القوة الباهرة ضعيف إلى الحد الذي تهدده مقالة كاتب أو كتاب مؤلف، ويرون له ثوابت هي محض قيود وضعها بشر، لا علاقة لها بنصوصه ومقاصده وقواعده، وتضخمت الذوات فيهم حتى لم يروا أن أحداً من الأمة سواهم قد علم ديناً أو فهم نصاً.لهذا فما أن تبدأ أيام معرض الكتاب إلا وتجد هؤلاء يجوسون خلاله، همهم كله الاعتراض على كل شيء، فإن لم يجدوا شيئا يعترضون عليه، بدأوا تعقب المثقفين رجالا ونساء من الأدباء والمفكرين والمشتغلين بالعمل الاعلامي في كل صوره وألوانه، ممن يتجولون في المعرض فيبدأون معهم مصادمات مفتعلة للفت الانظار إليهم، ولا يراد منها سوى ان تفسد هذه التظاهرة الجميلة، أو ان يحبط القائمون عليها فلا يفكرون في أن تقام في العام المقبل مثلا، وكأني بهم يتمنون ألا توجد مثل هذه المناسبات والمناشط الثقافية في بلادنا، لعلمهم الأكيد أنها ستكشف عبثهم هذا الذي لا يوافق عليه عاقل، ثم إنها حتما تكشف للناس ما حشيت به رؤوسهم من أفكار مبتذلة ليست من الدين، ولا تصلح لأي زمن. وبعضهم له مصالح يعتقد جازماً أن ضوء المعرفة يأتي عليها من أساسها فيخشى كل ما ينشر في هذا الوطن وعياً ونوراً يهدي الله به إلى الأفضل في وسائل هذه الحياة، لأن الناس إن أدركوا ما يختزنه لهم من حقد وسوء ظن سعوا إلى منعه أن يضرهم، ففات عليه ما يزعم من أنه هاديهم ومعلمهم، الذي ينتشلهم من الجهل إلى العلم، وهو في الواقع يحكم قبضة الجهل عليهم إن اتبعوه، فالحذر كل الحذر من هؤلاء، فما هم سوى أعداء المعرفة، الذين إن سنحت لهم الفرصة قادونا إلى ظلام جهل متكاثف لن نرى إذا حل بأرضنا طريقاً للنجاة في هذا العصر، فلنحذر فهم العدو، والله ولي التوفيق. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]