كانت اليمن تعمل لفترة طويلة ضد ما كان يسمى الثالوث الرهيب وهو الجهل والفقر والمرض. كان يمكن ان تنجح في معركتها تلك في سنوات قليلة لو تمكنت من ضبط الانفجار السكاني المتزايد.لكن الموارد المحدودة لم تستطع ان تثبت في وجه الاستنزاف السنوي المستمر للتزايد الذي لا يتوقف. فالعمل مثلا، لا يكاد ينتهي من بناء وحدة صحية إلا وقد صارت الحاجة الى عشر وحدات ملحة وعاجلة. ولهذا فإن الاهداف الستة التي كانت اساس الجمهورية الاولى لم تشكل الاختيار الملح سوى لفترة قصيرة بعدها صارت الاولويات هي متابعة الاحتياجات التي تتزايد في الطريق الى التنمية. ولم يتوقف اليمنيون كثيرا لمناقشة هذه الحال، فمن غير كثير من الحديث كانت الخيوط واضحة الصلات وكان الناس يفهمون ويقدرون الدوافع، ويتسامحون مع التقصير. لكن الامور لا تبقى على ماهي مع ارتفاع سقف التوقعات ومجيء الانتخابات بكل اشكال الوعود، بعضها جماعي باسم الحزب وبعضها فردي باسم المرشح، ولأنها ليست سوى دعايات لاكتساب الاصوات فلم تكن تتحقق، ولا فهمت الاجيال الجديدة عمق اللعبة الواعدة دون مصداقية تستحق الانتظار، لأن ظروف الحياة لم تعد تحتمل الانتظار. وكأن العناء الثلاثي الأول غير كافٍ لتنتج التسعينات ومطلع الالفية ثلاثيات رعب مضافة، اكبرها مايؤدي الى الحرب والاستنزاف الاجباري لأي موارد. فحروب شمال الشمال، وتحركات غاضبة، وبداية تغلغل مد الارهاب الدولي يشكل ثالوثا جديدا كلما تمت المحاولة للجمه من جانب تدفق سمه من جانب آخر. الحصاد للشوك: تنطلق القذائف محاولة اجتثاث وجه للإرهاب، فتقع الحربة في صدر الصديق. الاسماء متشابهة صلات القربى قائمة، والفصل بين الحيوان المشاكس عن بقية القطيع المسالم أمر يحتاج تأنياً وطرقاً قانونية مسلوكة.لكن الخبرة محدودة، والمهارات قليلة وامكانات التحقق صعبة، فتنطلق حينها النار الصديقة، دون قصد الغدر أو تعمد الدمار. ليكون الخطأ القاتل الذي لاتقبل بصدقه بقية افراد العشيرة فتلهب النيران في نفسها ومن حولها لأن الثأر عادة متوارثة. ان يكون عدوك خارج ذاتك تكون المعارك سهلة، وتكون الاهداف مشروعة، ويكون الالتفاف الجماهيري صادقاً ومتحمساً. أما أن يصبح عدوك داخل صدرك، فكل رصاصة هي نيران صديقة. فأنت القاتل وانت المقتول وساحة المعركة جسدك الواسع بخريطة بلادك او الضيق بمساحة جغرافية محدودة منه. العقد الثالث لدولة اليمن الموحدة يبدأ بتفاعلات العنف مع الذات، وتناقص مساحة التسامح أوالتغاضي عن مزيد من التقصير. لذا فالناس في اليمن مدعوون للحوار المسؤول والنقاش الجاد والهادف للسيناريوهات المستقبلية المحتومة. فترك الامور دون تسميات دقيقة واقعية والاستمرار في الاستخدام المعتاد للغة الخشبية تحت دعوى الإلتزام بشروط اللعبة السياسية لم يعد يخدم احداً. فما تبقى من خدمات تنمية لم تبلعه الزيادة السكانية، ستمتصه حالات الانفعال الحادة. [email protected]