كان للنقاش طابع خاص ليوم كامل في فترة اثنين وسبعين ساعة قضيناها في تركيا بدعوة من وزارة الخارجية التركية. فتركيا تطور علاقاتها مع اليمن عبر كل الأصعدة وتفعل ذلك في معظم الدول العربية ودول المنطقة. واضح هذا التوجه، ليست فيه سرية وليست فيه اجندة خفية. ففي زمن العولمة يبحث الجميع عن طريقة لخدمة مصالح بلدانهم، ويستثمر البعض العلاقات القديمة الطويلة المدى لمنحها حياة وزخماً جديداً. ذهبت الخلافة العثمانية بقضها وقضيضها وتوجهت تركيا نحو الغرب الأوروبي، شارك ابناؤها كمهاجرين في بناء اوروبا الحديثة، وبذلوا ولا يزالون جهودا حثيثة كي يتم التأهيل لهم للدخول في النادي الأوربي الكبير، وكلما فكوا عقدة في سجل العقد المتسلسل واجهتهم عقدة جديدة. حالهم مثل حال اليمن ومحاولة التأهيل للدخول في النادي الخليجي المجاور. القديم الرومانسي كانت الذاكرة التركية عن اليمن ذاكرة مجروحة مليئة بالالم، بها اغاني الشوق والانتظار للابن او الزوج الذي ذهب ولم يعد. وكانت الذاكرة اليمنية مليئة بالفخر والشعور بالمجد والتفرد فلم يستطع العثمانيون ان يبقوا طويلا كما فعلوا في كل مكان آخر، لأن المقاومة لهم كانت تشتد وتقوى احيانا وتقبل التعايش على قدم المساواة احيانا أخرى.وكان العثمانيون انواعاً منهم اولئك الذين حضروا في رحلة احتمالات الموت فيها اكثر من الحياة فقاموا بمهمتهم وعادوا. ومنهم اولئك الذين احبوا طبيعة الناس وصدقهم وبراءتهم وانفتهم وعزة انفسهم فأقاموا بينهم ثم صاروا جزءاً لا يتجزأ من تراثهم ومن النسيج الاجتماعي لتشكيلتهم المتعددة المتنوعة. وقد وجهت لي الدعوة كي اتحدث عن شخصية تاريخية اهتم بها في تاريخ اليمن المعاصر هي شخصية محمد راغب بيك الذي كان قائم مقام أو متصرف مكلف على عدد من المناطق من بينها طرابلس السورية، ومكة، والحديدة في اليمن ثم تعز ثم صنعاء.وبعد انتصار اليمنيين الأخير رحلوا وكان هو ايضا من الذين عادوا الى تركيا فوجد بلاده الجمهورية مختلفة لا ترغب الحديث عن السلطنة او تاريخها وتحاول أن تغسل من ذاكرتها تلك الفترة جملة وتفصيلا.لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالتاريخ والذاكرة يعودان للتفاصيل مهما حاول الناس النسيان والإغفال . أما محمد راغب فقد اختار ان يعود الى اليمن ليعمل مع الدولة اليمنية التي حاربها في فترة وحاربته لكنه شعر بالانتماء اليها اكثر من أي مكان آخر.وهناك رحب به اهل اليمن وصارت له مكانة جديدة ليتحول من محمد راغب بيك الى القاضي محمد راغب. وصار اشبه بوزير للخارجية اليمنية حتى مات في صنعاء وقد تزوجت بناته بيمنيين وانجبن له احفاداً يمنيين. الذاكرة اليمنية تحمل لشخصه مودة، واستحضاره في الحديث عن العلاقات اليمنية التركية هو استحضار لفترة علاقات قديمة نعيد احياءها متحفيا وتاريخيا لنبدأ في باب من تاريخ العلاقات لزمن جديد. [email protected]