كانت دعد ملكة شهيرة في صنعاء، في ذلك العصر مطيبة من أولئك الملكات المطيبات من أمثال بلقيس وأروى وزنوبيا وشجرة الدر وكيلوباترا.. كانت معجبة بنفسها أيما إعجاب مما جعلها تبحث عمَّا يخلد هذا الحسن الذي غمر روحها بوهجه وسناه، وأقدمت على تلك الفكرة الفظيعة التي طرحها كبار القوم عندها في بلادها بأن تعلن لشعراء العرب قاطبة عن طرح مسابقة شعرية تتمحور حول جمالها وجيدها وخصرها وعموم صفاتها. ومن يفز بقصيدة تكون جائزته الكبرى أن يتزوج من الملكة نفسها.. وسمع من سمع من شعراء العرب الصعاليك وغيرهم وبدأت القرائح تتدفق شعراً للفوز بهذه الجائزة التي لا تتكرر في تاريخ الشعر العربي. وانطلق الشعراء من كل حدب وصوب نحو ديوانها تجللهم هيبة المكان ورهبته. وكان شاعر القصيدة الفائزة "فيما بعد" يتحرك كالشبح في أطراف الصحراء. ينحدر من سهول الشام في أقصى شمال بلاد العرب إلى هضاب نجد ثم يشرق قليلاً على حافة الربع الخالي قاصداً بلادها بقصيدته اليتيمة، القاتلة المكتوبة على جلد الغزال. وفي تلك البقعة يستضيفه أحد قطاع الطرق في بيته المصنوع من الشعر البالي وسط قطيع من الشويهات الناحلة، ويتباسط معه في الحديث، ويعرفه بقبيلته وجهته، وعندما قرأ عليه قصيدته اليتيمة القاتلة بيّت له الشر، وعندما أوى إلى فراشه في طرف بيت الشعر، أخذ يتجلله الرجل ليلاً ويدق في وهاجه يغرس سكينه في صدره وقلبه ويخطف القصيدة من تحت رأسه. وينطلق هذا الغادر لا يلوي على شيء إلى حيث صاحبة المسابقة دعد. ويلج إلى قصرها وحاشيتها يحيطون بها من مستشارين وخبراء في فن الشعر.. ويبدأ هذا السارق القاتل في قراءة القصيدة. وعندما أتم قراءته شكت الملكة في أن يكون هو قائلها. فناقشته في معاني أبياتها، لما لها من خبرة ودراية بالشعر، فأدركت بفطنتها أن هذه القصيدة ليست له، رغم أنها هي ما تريد من بين مئات القصائد، فقد حازت على إعجابها. وفاز شاعرها بجائزتها الكبرى.. فقالت على الفور، اقتلوا قاتل زوجي .. هيا أخبرني ما اسمه؟ اعترف. فذهل الرجل المدعي القاتل، فقال: إنه دوقلة المنبجي! ومن تلك القصيدة: لهفي على "دعد" وما حفلت بالاً بِحَرِّ تَلَهُّفِي "دعدُ" بيضاء قد لبس الأديم بهاء الحسن، فهو لجلدها جلدُ فالوجه مثل الصبح مبيضٌّ والشعر مثل الليل مسودُّ ضدان لما استجمعا حسُنَا والضد يظهر حسنه الضدُّ