لو كان المثقف يعلم ما ستؤول إليه حاله لما أفنى حياته بين ركام الورق ورائحة الحبر يهب أيامه ويعصر فكره لينير لنا عقولنا. تمر به الأيام لتسرق قوته، وتسلب نور بصره، وتحني ظهره وعندما يمد يده فلا يجد سوى النكران يصفعها بلا رحمة وكأنه يقول له: تجرع من كأسي بعد أن تركك المريدون، مُت بين أوراقك وكتبك وعندما تخرج رائحتك لتفضح نهايتك.. يأتي من يتباكى فوق بقاياك، ويلقي بين الحشود قصيدة شعر بلهاء تروي بؤسك ويصفق الحضور لوجهك الغائب، والبعض يغمض عينيه نعاسا لا حزنا عليك. ألف سؤال وسؤال أطرحه ويطرحه غيري من المهتمين بالشأن الثقافي وإليكم سؤال من الألف.. لماذا يسقط المثقف كورقة خريف تتقاذفها الرياح من ليلة بؤس إلى نهار نكران وجحود ؟ نستنزفه حتى الرمق الأخير وعندما يحتاجنا كي نسنده ليقف على قدميه فقط ندير له ظهورنا وصوته المرهق يختبئ خلف عثرات السنين. المثقفون هناك - بعيدا عن عالمنا الموسوم بالنسيان أو التناسي - يعيشون رموزا يحتفي بهم كل أطياف المجتمع نظير ما قدموه، وحتى بعد رحيلهم من دنيانا الضيقة نجدهم أكثر حضورا في مناسبات ارتبطت بشخصهم، مناسبات يشارك فيها الجميع تكريما لمن قدموا حياتهم من أجل الرقي بهم. وهنا يموت المثقف رويدا رويدا، تُنتزع روحه شيئا فشيئا حتى يهوي من منبره الوثير ليجد نفسه بين الأقدام ونبضه يخبو وأطرافه تتجمد وبعد ذلك يحمل نعشه المحسنون وهم لا يعرفون منه غير حكاية موته وقطعة القماش البيضاء التي تلف جسده وربما حروف اسمه التي لا تعني لهم. انعوا أنفسكم فلن ينعيكم أحد، وغادروا منازلكم واسكنوا خلف جدران المقابر لتُستر أبدانكم بين التراب فالأرض لا تتنكر لجنسها كما نفعل. عذرا لسوداوية الكلمات أيها المثقفون.. فليرحمكم الله. لمحة عابرة.. يقول ابن الرهان: فصرت الآن منحنياً كأني أفتش في التراب على شبابي [email protected]