الأيام وحدها كفيلة بمداواة الجراح،وطي الصفحات الملطخة بدرن الخلاف، هذا ما تعلمناه من عِبر الزمن الذي يهبنا الدروس بلا مقابل بشرط أن نعي. اليوم و من بين هذه السطور سأنادي بعلو صوتي مناشدا وزيرنا المثقف - وزير الثقافة - بأن يعيد لنا القلم الغائب والشاعر العذب الذي غيبه شعره عن مشهد الثقافة الأستاذ عبد المحسن حليت .. الحليت الذي قال عنه أديب الحجاز أستاذنا عاصم حمدان في مقالة قديمة بعنوان أشواق الروح إلى رفيق الدرب عبدالمحسن حليت : عرفك الناس يا صديقي شاعرا يغرف من بحر ولا ينحت من صخر . باسم الثقافة يا معالي الوزير أعد لنا الشاعر الرقيق فيكفي ما تجرعه هذا الرجل من قسوة الغياب والسنوات تفرك قلبه فركا وتلهب روحه . لنمد له أيدينا مصافحين ، فالله سبحانه الذي ملك الكون وصف نفسه بالمغفرة والرحمة وأنعم علينا بالصفح والغفران نظير ذنوب اقترفناها فلماذا نحن البشر لا نتسامح مع بعضنا وأخطاؤنا في حدود تركيبتنا البشرية الضعيفة . لا أحد ينكر أن المفسدين في الأرض كُثر يا سيدي ولكنهم يختبئون خلف ستار العتمة ولا يخرجون إلا بليل ولكن عبدالمحسن قذفهم بحجر فتطايرت عُقولهم وانبعثت رائحتهم وها هي الأيام تفضحهم ويصدق شعر الحليت . عبدالمحسن أيها العقلاء وقف مدافعا عن الفضيلة والشرف ، قال ما لم نستطع البوح به ولم يعمم ، ولكم أن تعودوا لقصيدته وتقرؤها لتجدوا أنها قيلت لهذا الزمن الذي طالت فيه العدالة يد الخيانة والفساد . كلنا نكره المفسدين والفساد ونتمنى زوالهم ولكنا لسنا بشعراء كي ننظم كرهنا شعرا يزلزلهم . كل الأديان تنبذ الفساد ، وكل التشريعات السوية تحاربه وملكنا المحبوب حماه الله أول محارب للفساد ومروجيه والأحداث تنبئ بذلك . يا معالي الوزير كم أتمنى أن تصل إليك كلماتي وصوتي المبحوح لتنظر في أمر عبدالمحسن وتعيده بلبلا صداحا ينفض عن ريشه السنوات الثقال ليعاود التحليق في سمائه التي أحبها .. سماء الوطن الذي من أجله كتب ومن أجله تجرع الحرمان بصمت الفرسان الذين يرفضون الانحناء حتى وهم يعدمون . أيها الشرفاء من منا لا يخطئ ومن منا لا يصفح ؟ أليس لكل مخطئ عقاب يقضيه يطهره من فعلته ليعود بعدها نقياً ؟ الكثير منا لا يعلم أن هذا الطائر الجريح يرفض نشر قصائده خارج حدود الوطن كما يفعل الكثير وفضل غناءها لليل ، وشعاع الفجر ، ونسمة بحر تمردت ، وقلة من الأصدقاء الذين سكنوا همه . وعندما سألوه عن السبب قال : أود أن يقرأ شعري أبناء هذا الوطن الذي أتجرعه عشقاً ، هم من يستحق ذلك وإلا مكانها أدراج النسيان حتى يأذن الله وترى النور . حينها سألت نفسي هل هذا الرجل مجنون أم أنه هو العاقل الوحيد في زمن تغيرت فيه حتى لغة العقل والمنطق ؟ كثيرون أخطأوا في حق وطنهم وأنفسهم وحق البشر وها هم يعيشون حولنا منهم من نال عقابه ومنهم من أمهله الله ليوم لا يعلمه إلا هو .. ولكن عبدالمحسن طال غيابه ونرجو ألا يطول أكثر . نرجو ألا نشعر في يوم أنا ظلمناه فنتمنى عودة الأيام حتى نمد له أيدينا ولكن بعد فوات الأوان . [email protected]