(مَنهومان لا يَشبعان.. طالب علم وطالب دنيا) ذلك القول البليغ الذي يُنسب للإمام علي رضي الله تعالى عنه .. فلله در أولئك الرجال الذين نهموا بطلب العلم .. ولعلي أتشرف بأن أكتب في عجالة كلمة عن ذلك الرجل الشيخ الوقور الذي طالت رحلاته كل ركن من أركان المعمورة حتى البلاد التي لا تغرب عنها الشمس أبداً في بعض فصول السنة وتلك التي لا تشرق عليها الشمس أبداً في بعض فصولها الأخرى. ولعلك تعجب عزيزي القارئ من أن هذا الشيخ حفظه الله قد ناهز الثمانين من عمره وقد جاوز إنتاجه الأدبي ومؤلفاته المائة والثلاثين كتاباً ولديه ما يزيد على مائة كتاب من الكتب المخطوطة التي تنتظر الطبع بعضها في مجلدات كبيرة ، ذلك هو الشيخ محمد بن ناصر العبودي والذي كان ضيفاً عزيزاً في الأسبوع الماضي على برنامج (ضيف الليلة) المتميز من إذاعة القرآن الكريم التي عودتنا على التميز في برامجها .. وقد تحدث عن مؤلفاته ورحلاته وحياته العلمية والعملية التي بدأت براتب شهري وقت ذاك ( ثلاثين ريالاً ونصف الريال ) وواصل الحديث حتى وصل بنا إلى وقتنا هذا ، لكن الأعجب هو حديثه العذب الذي ينثر من خلاله الدر وصوته وإلقاؤه الذي يبرز حلاوة هذه اللغة ومفرداتها طيلة حلقتي البرنامج حديثاً عذباً شيقاً مكتنزاً لا تشوبه ( آهات .. ولا أنات .. ولا تأتآت) مثل ما يحدث من بعض المتحدثين ، بل جاءت كنهر عذب يجري بأعذب الكلمات غير المتكلفة يريح المستمع لغة ويثريه لفظاً ويجذبه معنى .. حتى كان واضحاً على مقدم البرنامج إعجابه وعدم رغبته في مقاطعة هذا الينبوع الصافي من المعاني بل كان يلقي سؤالاً لا يتجاوز بضع كلمات ، ثم يترك للشيخ نثر اللآلئ ومواصلة الحديث ، حتى ننسى أن وراء ذلك مقدماً للبرنامج .. ثم يعود المقدم وتعود الكرّة مرة أخرى وهكذا .. وربما قد ورث الشيخ محمد ناصر العبودي معاجم الدرر اللفظية هذه عن أبيه ناصر العبودي يرحمه الله الذي كان قاصا من الدرجة الأولى يحفظ الكثير من القصص والروايات ويرويها بطريقة مُبهرة، فجاءت طريقة هذه الشيخ المشوقة واسترساله في رواية مشاهداته وانطباعاته نوعاً فريداً ومحبباً على مسامع المتلقين فلله دره .. لقد ذكرني هذا الشيخ الكبير أطال الله عمره وسدد خطاه بحديث الشيخ محمد حسين زيدان يرحمه الله في البرنامج المحبب خلال شهر رمضان المبارك فلا زالت مسامعنا مشنفة بصوته الشجي وحديثه الشيق ، وكذا شيخنا الوقور يرحمه الله الشيخ على الطنطاوي .. فهل نطمع في أن يسجل التلفزيون حلقات توثيقية للشيخ الكبير محمد بن ناصر العبودي على غرار ما أعدت إذاعة القرآن الكريم وتذاع على مدار شهر رمضان المبارك في كل عام ؟ نسأل الله ذلك .. وبالله التوفيق ،،،