في أحد الأيام من عام مضى قبل أكثر من ثلاثين عاماً على ما أذكر أن التقيت به لأول مرة وجهاً لوجه فربطتني به علاقة "محبة" ليس لها وصف "إلا بالاصطفاء" ذلك الاصطفاء المنبعث من روح شفافة صافية لا تعرف الالتواء أو الكذب أو الغش أو الظهور بأكثر من وجه، لقد كان نقياً تقياً في حياته وفي تعامله حتى يكاد يقطر ورعاً .. كان يأتي لعمله في حرص شديد على أن يصرف كل وقته فيه حرصاً على أن يكون ما يتسلمه من راتب عليه "حلالا" .. هكذا كان السيد محمد علوي بلفقيه ،ذلك الرجل الأنيق في كلامه المهذب في لفظه لا يعرف عنه سباب أبداً، لقد كنت أشعر به "صوفياً" حقيقياً في تعامله حيث لا بهرجة ولا تطاول ولا حتى همساً غير محبب، لقد جاء به الأستاذ أحمد محمود رئيس تحرير جريدة المدينة أيامها الى قسم الأربعاء ليجد نفسه وسط الزملاء سباعي عثمان وجلال أبوزيد وأحمد شريف الرفاعي رحمهم الله ومحمد صادق دياب وعبدالعزيز صيرفي وكانت تلك الصالة تموج بالمناكفات الفنية بين جلال والرفاعي والادبية والقصصية حيث يقرأ سباعي ما كتبه من قصة على أسماع الدياب.. ولا تفرغ الصالة من زوار الادب حيث صرخة "الحداثة" والتقليدية على أشدها ولا زوار الفن من فنانين وكتاب متخصصين في الفن . ففي ثاني يوم لم نره على مكتبه وسطنا لنكتشف انه طلب من الأستاذ أحمد محمود نقله من هذا الوسط "الصاخب" ، ولكونه يراجع مقالات الكتّاب ويكتب رباعية الأستاذ الفقي اليومية وقصائده الأسبوعية وهو لا يمكن له العمل في وسط – صاخب - كهذا.. لقد كان صامتاً في عز كلامه ومتحدثاً في عز صمته . رحم الله السيد محمد علوي بلفقيه وأسكنه فسيح جناته.