** اعترف مند البداية ان ما سوف أتعرض له هنا قد اكون قد تحدثت عنه أكثر من مرة وهذه مشكلة الكتابة عن "المكان" الواحد بذاته وفي موضوع قد يكون نفس الموضوع الذي سبق تناوله. هذا الأمر غير مستساغ لدى القارئ وأيضا لدى الكاتب. لكن هناك اماكن لا تمل الحديث عنها والكتابة عن خصائصها.. والابحار في مسام جلدها وتفتيت ذرات تكوينها لتشبع نهمك الذي لا ينتهي وعطشك الذي لا يرتوي هكذا أشعر وأنا أكتب في كل مرة عن هذه المدينة الساكنة في الضلوع والمستقرة في تلافيف القلب والمفتول من ترابها هذا الجسد الفاني.. إنها مدينة النور والطمأنينة والبركة التي ترابها شفاء وهواؤها للعليل دواء. هكذا أنا في كل مرة أذهب إليها فلا أنفك عن الحديث عنها والسباحة في "عيونها" والتسكع تحت أفنانها.. والتنقل بين وردها وفلها.. وبين دوشها ونعناعها.. وزهرها ولمامها.. "لا تلوموني في هواها، قلبي لا يعشق سواها" إن هذا البيت من الشعر لا ينطبق إلا عليها أنها مدينة يتجدد اكتشافك لها في كل مرة تذهب اليها وتلك ميزة تكاد تكون اختصت بها.. هناك مدن تعيش على الانهر ويغمرها الرفاه من كل جانب.. وتصطخب الحياة فيها بكل بهارجها.. لكنك لا تشعر بسعادة حقيقية ابداً رغم ايهام نفسك بهذه السعادة الوقتية الآنية. فتنساها بمجرد مغادرتك لها لكن هذه "المدينة" تتركها وفي النفس شجا "وعنقك" الى الوراء شاخص وتتمثل بقول ذلك الشاعر الذي يحضرني في الذاكرة الآن. وعندما غابت عن الطلول تلفت القلب مدينة صناعتها "الحب" وديدنها السكون والرضا.. دعك من كل بعض "النتوءات" التي تراها في نفوس البعض فهي زائلة لا محالة فلا يبقى إلا صفاؤها وروجانيتها هكذا قلت لصديقي الذي سألني بماذا تحس في كل مرة تذهب فيها إلى المدينةالمنورة. * * * سيدي شاهي ** في ذلك – الزمان – الذي يذكره ابناء ذلك الزمان قبيل خمسين عاماً كانت أزقة واحياء المدينةالمنورة في منتصف "شعبان" أي كيوم امس الخميس تزدهي تلك الشوارع والاحياء بأولئك الصبية والصبيات الذين يمسكون "بالاقفاف" "جمع قفة" مصنوعة من الحصير الملونة بتلك "الكتل" من الخيوط الحمراء وهم يطرقون "الأبواب" صائحين سيدي شاهي يا شر بيت وبعد المغرب ينطلق الشباب وهم متكتلون في جماعات يطرقون الابواب من حارة الى حارة ومن زقاق الى زقاق صائحين سيدي شاهي يا شر بيت خرقة مرقة ياأهل البيت اما سؤال والا جواب وإلا نكسر هذا الباب لولا "خوجا" ما جينا ولو طاحت كوافينا حل الكيس ويعطينا واحد مشخاص يكفينا * * * وفي نغم متغير يقولون والعودة والسودة ياست سعادة "هات" العادة سيدي سعيد هات العيد اما مشبك والا فشار والا عروسة من الروشان والا عريس من الدرجان فتتفتح الشبابيك والابواب لتقذف سيدة البيت في تلك "القفف" حفن من الفشار المخلوط بحبات تمر الحلية واقراص المشبك. فترتفع اصواتهم ليمونة يا ليمونة ست البيت محبوبه اما سيدة البيت التي لا تتجاوب معهم فترتفع الاصوات عاليه كبريته يا كبريته ست البيت عفريته ياه كان حلماً رائعاً وشجياً وأنا أخطو أول أمس على ثراها مستنشقاً هواها رغم سمومه اللافحة وشدته الحارقة إنها مدينة الصفا والأخاء.