غادرنا يوم أمس أحد علماء الحرف واللغة والبيان، والشعر المقفى، والحديث السيد الجليل محمد علوي بلفقيه، الذي عمل في هذه الصحيفة زهاء 40 عامًا، وعاش كافة مراحل تطوّرها، إلى أن انتقلت في مبناها بشارع الصحافة عام 1403ه. * كان رحمه الله بمثابة العمود الفقري -يومئذٍ- من حيث إعدادها، وكان هو الخطاط الذي يرسم مانشيت الصفحة الأولى بأنامله، وبخطّه الجميل، وكذلك العناوين الرئيسة في كافة أنحاء الصحيفة، بما في ذلك الإعلانات كتابةً وتصميمًا، كما كان يعتبر لغوي الصحيفة، ومصححها فترة طويلة من الزمن. * لقد كان السيد بلفقيه أحد الذين يُشار إليه بالبنان في هذه الصحيفة، وكان كل محرر ومسؤول يجد عنده الإجابة الشافية في كل شأن لغوي، أو صياغي، أو في مجال الأوزان الشعرية، قديمها وحديثها، وكان حافظَا لكتاب الله، ومجوّدًا له، وعالمًا بمخارج الحروف، واضح النطق، فصيح اللسان، أديباً، أريبًا، ضالعًا في النقد والبلاغة والبيان، شاعرًا وناظمًا، له من الشعر العربي الفصيح، والفكاهي، ما ينتج أكثر من ديوان بعشرات الصفحات. * كان ذا صوت رخيم في تلاوة آيات الذكر الحكيم، يعرفه كل مَن حضر صلواته الجهرية في مسجد المدينة (الجريدة) التي أحبّها، وأخلص لها، وتفانى في خدمتها، وقضى فيها مراحل شبابه، وجزءًا كبيرًا من كهولته التي لم تكن هناك فارق بين الفترتين من حيث النشاط والهمّة العالية، في حين لم تكن (المؤسسة) وفية معه كوفائه معها. * كان الأبرز في الإنجاز، والأبذل في خدمة قراء (المدينة) في نتاجهم الأدبي والثقافي، والمشاركات في المناقشات، والمناظرات. كان هو الأبرز في ذلك، ولكن خلف (الكواليس)، وخلف أكبر (منضدة) حافلة بملفات الكُتّاب والقرّاء المشاركين، والكُتّاب المبتدئين.. يواصل العمل دون أن يفرّق بين الليل والنهار، وساعات الدوام وخارجه، ودون أن يطالب بمقابل مادي. وقد كان اعتزازه بنفسه كبيرًا، ويكفيه فخرًا بل وفرحًا ومعنويات عالية، أن يرى جهده يرى النور، ويسعد بنوره هذا قرّاء وكُتّاب (المدينة) المحترفون منهم، والهاوون والمبتدئون. * كان دمث الخُلق، كريم السجيّة، يُسعِد جلساءه كبارًا وصغارًا دائمًا ينبض بالفهم، بالأدب الجم، وبغزارة العلم. ورحل -يرحمه الله- من هذه الدنيا وهو فرح بما قدّم لآخرته إخلاصًا في عمله، وحبًا لزملائه، وما قدّم من خبرة ووفاء لكل مَن طلب منه، أو إليه شيئًا يصل به إلى معلومة جديدة تفيده في عمله ومستقبله المهني. * رحم الله أستاذ الصياغة العلاّمة العابد السيد علوي بلفقيه، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه، وزملاءه، ومحبيه، الصبر والسلوان.