نشرت الصحف في الآونة الأخيرة أعدادا من المرتشين والمحالين بدورهم إلى هيئة الرقابة والتحقيق وآخرين إلى ديوان المظالم، وقد دُهشت لكثرة العدد الذي آل به الوضع إلى الانحراف وتوقعت أن هناك عدداً من الموظفين العصاميين الذين يعيشون في مناخ موبوء حيث يصعب على الموظف النظيف والشريف والعصامي الاندماج أو التكيف في أجواء الفساد مهما كان غطاؤها ومسميات لجانها وحصافتها ودقة تخطيطها وسرية تنظيمها، هذه الخلايا الفاسدة مهما كان وضعها إلا أنها لابد من أن تأخذ مظاهر وتداعيات تدل على التكتل والتحزب بين المتصارعين؟ هي في حقيقة الأمر وكما رأينا في حياتنا العامة فيها تورية (معنى قريب وآخر بعيد) فالمعنى القريب هو السيطرة واعتلاء المراتب العليا والحصول على الصلاحية والهيمنة الإدارية ولكن يتضح للمتتبع الحصيف أن الوضع غير هذا فالبعض يتصارع للوصول للمال العام أحياناً أو الكسب غير المشروع من خلال طرح المشاريع والعطاءات المقدمة بغض النظر عن التسهيلات التي يقدمونها لجانب دون آخر. لاشك نشاهد في بعض المؤسسات العامة والخاصة نوعا من (الطحن والطحين) ووسائل وأغراض مطروحة مشروعة في معناها مذمومة في نتائجها، فهناك حزب الوكيل وهناك حزب المدير وهناك لجنة إقرار المشاريع والعطاءات المقدمة والمطروحة للرأي والتصويب ومن ثم اتخاذ القرار. أمثال هؤلاء تظهر على ملامحهم وأشكالهم ملامح الانحراف فهم كثيراً ما يقعون في زلات لسانهم أثناء دفاعاتهم عن عطاءات ضعيفة يريدون تقويتها بأسلوب مستهجن وتبريرات مهزوزة وأقوال مزعومة لا نجني منها سوى البوار والضياع والغش والخديعة. هؤلاء النفر من المسؤولين في هذه المؤسسات أو تلك يستمدون قوتهم وشجاعتهم وصهوتهم في الفساد بطرقه وأساليبه المختلفة من أناس يكبرونهم خبرة وشجاعة وهيمنة وصلاحية في الجهاز المركزي المسيطر. فهم من يختارون مثل هؤلاء العملاء العاملين لمصلحتهم والمنفذين لسيادتهم والمدافعين عن مصيرهم وأحياناً المذكين لأماناتهم، هؤلاء المستغلون لصلاحيتهم وللمال العام غالباً ما يلبسون ثياب غيرهم ويمثلون أدواراً توحي بالشهامة والنخوة والصراحة فهم ممثلون بارعون وأحياناً مسرحيون ناجحون في تمثيل أدوارهم. يقولون ويزعمون بحماسة لا يشككون في تصرفاتهم يوهمون غيرهم بأنهم على حق وأنهم أمناء على المال العام يؤدون الأمانة ويبلغون الرسالة بكل تحوير وتهويل يظهرون ما لا يبطنون. حياتهم تتغير بسرعة فائقة أحلامهم تتنوع بمرور الزمن. يسعون لاكتساب الوقت قبل فواته، يدلسون أحياناً حتى على أنفسهم وأسرهم. ويركزون اهتمامهم على الشخص النظيف المكافح والعصامي يحاولون الإساءة إليه وأحياناً تطفيشه من العمل أو تهميشه! والإساءة لمعنوياته وقدراته وأمانته! يحيطونه بهالة من الرقابة والتشدد وتصيد أخطائه وأقواله يُسيئون لسمعته وأحياناً أمانته، يشيعون في أوساطهم أنه غير عامل وغير منتج، وهناك من هو أحق منه بالترقية دون علمه بالطبع! لا يوكل إليه أي مهام أو عمل ويظل على هامش الإدارة لا يعلم بما يدار داخل مطبخ تلك المؤسسة، رغم مرتبته العالية وصلاحيته المسلوبة وأمانته الضائعة! يتهمونه بكل عيب ونقص وانفلات في عمله وتسيب في سلوكه ينسبون أعماله لأنفسهم يعمل ولا يُشكر يُنتج ولا يُقدر! وكثيراً ما يتبجح المفسدون بأنهم أكثر لباقة وقيادة وذكاء من غيرهم ممن يعملون معهم أو في مجالهم! فهم يعرفون كيف يقتلون الدمعة في الأحداق؟ لكنهم يخافون من أن ينفضح أمرهم ويعملون على تستر أوضاعهم مهما كانت الأسباب، فهم جبناء حقيقة يخافون الظلم أحياناً ويعتذرون أحياناً ويخفون أعمالهم في مواقف كثيرة. يتبجحون ويتصدرون المجالس ويتكلمون عن الأمانة والصدق وينسبون لأنفسهم العصامية والقدرة والذكاء والغلبة والنجاح! هؤلاء المتعجرفون كثيراً ما تجدهم بعد تقاعدهم يصرفون الكثير مما جمعوه على علاج أنفسهم وأبنائهم، فحقيقة يذهب الحرام حيث أتى. إنهم مصابون بأمراض نفسية متعددة. نحن لا ننكر أن هناك قصورا في بعض قوانيننا الإدارية وتحتاج إلى إعادة نظر وهيكلة مثل تدني الرواتب في ظل ارتفاع الأسعار وعدم توفر العلاج والسكن لهؤلاء الموظفين وعدم وضع حد أدنى للأجور يكفل للموظف الصغير قبل الكبير كرامته وتجنيبه المساءلة والتملق والاسترزاق غير المشروع، وأكرر أنه لابد من إعادة النظر في أنظمة الخدمة المدنية وحتى نسد الذرائع ونجنب بلادنا وأبناءنا الفساد بكافة أنواعه وأساليبه ونرتقي ببلادنا ومجتمعنا حتى نضمن الحفاظ على الحقوق والمطالبة بالإنتاج ونمنع الفساد.