حين نرقب رحلة الأمل في مواجهة مستقبل مختلف, لايمكن أن نري هذا المستقبل بعيون مخادعة تصف لنا الظاهر أمامنا دون أن تكشف لنا الأعماق, فالبصيرة عليها أن تتوافق مع البصر كيلا نعيش ماعاشته الإمبراطورة كاترين. هكذا كان يحدثني د. زيج زيجلر أستاذ العلاقات الإنسانية, قبل أن يصحبني في تفاصيل حكاية الإمبراطورة كاترين كنا نحن الاثنان نرقب علي شاشة التليفزيون مشاهد احتجاج أو. جيه. سيمبسون لاعب الكرة السابق والأشهر في البيسبول الأمريكي علي اعتقاله من جديد في تهمة سرقة أحد الكازينوهات العملاقة. وكان الرجل يصرخ إنهم أعوان عائلة زوجتي السابقة, وتلك الزوجة السابقة كانت ملكة جمال, وأنجبت منه طفلين, ثم قررت الطلاق بعد أن وقعت في غرام رجل غيره, ووجدت جثة الزوجة والعشيق في بيتها الذي أخذته بواسطة الشرطة من زوجها إلي أن تحكم المحكمة بالطلاق, وكانت الوسيلة الأولي لأخذ البيت من الزوج هو اتهامه بالقسوة. وبعد العثور علي الجثتين دارت محاكمة شغلت الرأي العام الأمريكي, فالقاتل أسود والقتيلة يهودية, وتحت سطح العلاقة بين الأمريكيين من أصل إفريقي السود وبين اليهود الأمريكيين علاقة تنافر مكتومة تظهر أحيانا وتختفي في أحيان أخري. وبعد أن تأكدت المحكمة بأن أوه جيه سيمبسون لم يقتل الزوجة السابقة وعشيقها, حكمت له بالبراءة. وسمعت يومها من يعلق سيصطاده اليهود في حكاية أخري. ومرت سنوات ليأتي خبر القبض عليه وسرعة محاكمته بسرقة الكازينو الكبير, ليقضي سنوات في السجن بعد أن صرف معظم ثروته بين إنقاذ نفسه من تهمة القتل الأولي, وتهمة سرقة الكازينو المدبرة بإحكام شديد. وكان هذا هو الخبر الأول في نشرة التليفزيون الأمريكي, أما الخبر الثاني فكان عن مظاهرة من الجنود الذين قاتلوا في حرب الخليج الأولي, وعانوا لسنوات إما من إنجاب أطفال مشوهين, أو من مرض التعب المفاجيء الذي يصيب أيا منهم بعد بذل أي جهد بسيط, وهم من خرجت واحدة من مسئولي وزارة الصحة الأمريكية تتهمهم بأنهم كاذبون ويدعون إصابتهم بأمراض ليست حقيقية, بينما كانوا يؤكدون أنهم ضحايا اليورانيوم المنضب الذي تم استخدامه بكثافة في حرب الخليج الأولي, وأقيمت مؤتمرات علمية لإثبات ذلك, لأن نسبة كبيرة من أطفالهم الذين أنجبوهم بعد عودتهم من القتال, مصابة بتشويهات غير مقبولة. ولأن كل مايتعلق بتفاصيل الحياة الأمريكية يخضع للإبراز الإعلامي عندما تشاء المؤسسات الإعلامية, ويتم كتم بعض من تلك التفاصيل إن كان في ذلك خسارة للشركات العملاقة, لذلك لم يعد أحد يتذكر هؤلاء الجنود ومشكلاتهم, خصوصا بعد أن طغت أخبار الحادي عشر من سبتمبر, ثم حرب أفغانستان ثم حرب العراق. وبدأت مرة أخري مناقشة إصابات الجنود بالهلاوس وبالتعب لأقل مجهود, فضلا عن عشرات المئات ممن فقدوا بعضا من أعضائهم في تلك الحروب. ولم يلمس أحد تلك المشكلات سوي قلة قليلة علي رأسهم نعوم شومسكي أستاذ اللسانيات الذي رأي منذ سنوات بعيد حقيقة التوغل اليهودي في القرار الأمريكي وهو يقود إلي كوارث لاقبل لأحد علي تحملها, توغل في تفاصيل الحياة اليومية والسيطرة عليها, أو التفاصيل السياسية الكبيرة. ولعل واحدا من أسباب ترك شومسكي دون كتم لمجمل آرائه, هو استخدام آرائه كقوة ردع لكل من يستهين بالقوة الصهيونية علي القرار الأمريكي, بداية من سجن أوه جيه سيمبسون, ونهاية بتشجيع اللوبي الإسرائيلي المتتابع في الإدارات الأمريكية المتلاحقة علي خوض حرب العراق. وعدم المساس بأي إدانة لإسرائيل. ويكفي أن نتذكر كيف قررت إدارة كلينتون إزاحة د. بطرس بطرس غالي من موقعه كأمين عام للأمم المتحدة وعدم التجديد له, لمجرد إذاعته لتقرير التحقيق في مذابح قانا التي راح ضحيتها العديد من العائلات الفلسطينية, والتي لجأت إلي واحد من مقرات الأممالمتحدة, في قانا وقصفتهم إسرائيل. وحين انتشرت موجة من التفاؤل الشديد بمقدم أوباما كرئيس للولايات المتحدة رأينا كيف وقف اللوبي اليهودي ضده في البداية, لولا اختراقه للحجب الإعلامية المختلفة عبر شاشة الإنترنت, ثم إعلانه الصريح بمساندته لإسرائيل في كل الوقائع, مع الاحتفاظ بهامش بسيط من أجل مد جسور الأمل بينه وبين العرب. ويعلق أستاذ العلاقات الإنسانية زيج زيجلر علي ذلك بأن المؤسسات الصهيونية في الولاياتالمتحدة تعامل الكون كله كما عاملت الإمبراطورة كاترين الشعب الروسي, فهذه الإمبراطورة كانت في الأصل ألمانية تزوجت من الإمبراطور الروسي, وأحكمت حوله الخناق إلي أن قتلته بعصابة من رجالها, وثم أحكمت هذه العصابة الخناق علي الإمبراطورة كاترين لتبيع لها وهم الإحساس بأنها أكثر حكام العالم قدرة علي إسعاد شعبها, بينما كانت تلك العصابة تضغط علي الشعب بكثير من الاضطهاد والظلم المنظم. وحين طلبت كاترين من حاشيتها أن تري الشعب السعيد, كان من حسن حظ العصابة هو معاناة الإمبراطورة من قصر نظر شديد, لذلك قاموا برسم لوحات ضخمة علي ضفتي نهر الفولجا تحمل صورا لقري سعيدة وأطفال أصحاء ونساء سعداء ورجال مبتهجين, وكان يخت الإمبراطورة يمر علي سطح نهر الفولجا لتبتسم الإمبراطورة فرحة بصور السعادة الطاغية علي ملامح البشر المرسومين علي اللوحات. بينما كان الناس خلف تلك اللوحات يعانون من البؤس الشديد. يقول زيج زيجلر: إن الخداع الذي تمارسه القوي الصهيونية وآلة الإعلام الضخمة في القرار الأمريكي يمكن أن تنكشف إن استمرت الأزمة الاقتصادية العالمية, وقد يجرؤ أول رئيس أسود علي إطلاق الرصاصة الأولي علي رحلة تغييب البصيرة عن الأمريكي العادي, والتي تقوم بها تلك القوي العملاقة. ولعل هذا مايدفع العديد من كبار يهود الولاياتالمتحدة إلي الحذر, وتنبيه إسرائيل إلي أن الاستمرار في خداع الكون لن يستمر طويلا, فالعطش إلي الكرامة الإنسانية لن يشعر بأدني ارتواء من أمواج هذا البحر المخادع. الأهرام المصرية