مدينة إب إحدى المدن اليمنية المشهورة بخضرة ما حولها، وجمال الطبيعة التي تحيط بجبالها ووديانها. وهي مدينة أثيرة على قلبي لأني عشت فيها الفترة الأولى من طفولتي فرغم ولادتي في مدينة صنعاء، فإن انتقال والدتي للسكن مع والدي في مدينة إب وعمري ستة أشهر قد جعل ذكريات حياتي الأولى تتشكل في هذا المكان الجميل وتتعود على بيئة خلابة من المزروعات الطبيعية والأزهار البرية الملونة والفراشات التي ينعكس على اجنحتها قدرة الله وابداعه فيما خلق من جمال وروعة وابداع. وكنت أظن أن هذا الجمال هو وضع كل اليمن حتى كبرت وانتقلنا للحياة في مدينة صنعاء، ثم تنقلت في طلب العلم بين بلاد الله المختلفة من مصر فأمريكا ثم فرنسا، وفي تلك البلدان كنت دوما أعيش حالة مقارنة بين مدينتي الأثيرة وبينها.وظلت ذاكرتي الطفولية تعتقد أن تلك المدينة هي أجمل المدن، وأن المدن الأخرى جميلة أيضا ولكن ليس بنفس القدر. البحث عن ذاكرة: وفي الأسبوع الماضي، لظروف عمل خاص بالتنمية، وصلت الى إب في المساء، فلم اتمكن من النظر جيدا حتى الصباح. كانت غرفتى في الدور السادس من الفندق الذي يقع على تلة تحيط بها المدينة من كل جانب، ويمكن رؤية تفاصيلها من النوافذ.كان الوادي الأخضر الذي يعيش في ذاكرتي قد تحول في الواقع الى غابة من العمارات والمباني غير المنتهية المبنية من أحجار مختلفة وبمدارس بناء يمنية من مناطق مختلفة يجعل المشهد العام غرائبيا وفاقدا للتجانس. وشعرت أن ذاكرتي تتشظى وكثير من ذكريات حياتي لا تجد لها مكانا واقعيا وتتحول الى تصورات وأوهام أكثر منها حياة حقيقية معاشة. وقام زملاء من المشاركين في النشاط التنموي الذي كنت اقوم به بتنبيهي الى أن كل ما اراه وأنكره هو الامتداد والتوسع العمراني الجديد الذي حدث خلال العشرين سنة أخيرة. وفي تلة صغيرة بعيدا بجوار جبل بعدان، وجدت ما بقي من المدينة القديمة تم نوعا ما الحفاظ عليها، والحرص على بقاء ساحاتها واسواقها ومنازلها كما كانت. فوجدت في هذا البيت ذكرى وفي هذه الساحة أصوات صدى، وفي تلك العطفة ضحكات طفولة نشوى.فعاد الى قلبي الأمان، وإن كنت أشعر بالحسرة لأن كل ذكرياتي عن المناظر الخلابة التي كانت تحيط بالمدينة الصغيرة لم يعد لها وجود. وقد خطرت لي أفكار كثيرة بشأن الناس الذين يفقدون مدنهم لعوامل الحرب، ورثيت لسكان غزة، فمهما كانت قيمة اعادة المعمار التي سيقوم بها العرب وخاصة السعودية لإعاد الحياة الى وضع طبيعي، فإن الذاكرة التي رحلت مع رحيل اماكن سكنهم، ومرتع طفولتهم، أمر لايمكن تعويضه ابدا. ربما يكون ذلك تفسيرا للشعر العربي القديم الذي يبدأ بتذكر الاطلال ومرابع الأحباب، وأصوات الذين عاشوا في ذلك المكان، فالماضي هو ساحة طريق مستقبل. [email protected]