أنا حاليا في مصر، حتى يوم الجمعة الماضي لم يكن أحد ليتنبأ بما سيحدث، وفي الصباح الباكر من الجمعة وصل أخوتي المهندس والطبيب من اليمن. كانت هناك في اليوم السابق مظاهرة يتيمة صغيرة بالقرب من مكان سكني، وقد خرج ابن اختي ليسلي نفسه بالمشاركة، لكنه ما أن وصل حتى كانت قد أنفضت بوجود الشرطة وبصوت رصاصة صوتية في الهواء فعاد دون استمتاع كان يظنه سيحدث إذا استمرت المظاهرة قليلأ. لكن الأمور سرعان ما تغيرت وصار الليل كابوسا، لنوم متقطع أو سهر متواصل وأصوات الرصاص تلعلع كل حين. عادت الى ذاكرتي كوابيس حروب داخلية في اليمن عشتها في حياتي منذ سن مبكرة، وحاولت فترة طويلة ان أنساها فليست ممتعة للتذكر وأي شهادات تاريخية بشأنها يجب أن تأتي بعد زمن، دون وجع أو حزن أو شجن. وهذه المرة أيضا، فإن ما أشهده سيكون يوما شهادتي للتاريخ كجزء من مذكرات حياتي كناشطة اجتماعية ورائدة في بعض المجالات في بلادي وصحفية شاهدة على الأحداث بدون مشاركة فيها بالضرورة. فتجربتي مع مصر في السلم كانت دائما تمثل ملجأ وملاذا من اشتعالات الأماكن ومن ارهاق فكري وجسدي في جهود متوترة خلال العمل في مدينة صنعاء ضمن ظروف ليست دائما سهلة للنجاح والتفوق والإنجاز دون معارك جانبية يومية من منافسين يرتدون أقنعة تدعي شيئا آخر غير المنافسة وتعمل على بث الشائعات وطرق أخرى للمجابهة اليومية. وأحيانا تأتي محاولات الاستقطاب أو التهميش كنتاج طبيعي لسلوكيات في الغالب تعيد انتاج التخلف وتصعب التغيير على أي ناشط حقوقي أو إجتماعي أو إنساني خاصة إذا ما تعلق الأمر بالدفاع عن قضايا النساء. المهم اليمن حكاية أخرى وليست هناك ضرورة للحديث عنها الآن سوى شرح بعض اسباب وجودي حاليا في مصر، خلال فترة مخاض لم نتخيل أنها يمكن ان تحدث فيها. قال لي ابن أختي الذي كان يدرس في معهد للغة الإنجليزية أن الشباب المصريين سيخرجون للتظاهر يوم الثلاثاء قلت له سيرفهون قليلا عن أنفسهم كنوع من " فشة غل" كما يقول أهل بيروت ثم سيعودون الى بيوتهم. لكن الحكاية تطورت أكثر ووجدنا أنفسنا رهينة البيوت والخوف. كانت جدتي التي عرفت حصار صنعاء ونهبها عام ثمانية واربعين، تردد دائما الأمان قبل الإيمان. وفهمت ذلك مع والدتي وأخت لي خلال تفاصيل حصار صنعاء الجمهورية مع عهد الامام لسبعين يوما. وبعدها فهمت كل الأسرة المعنى عند حرب اربعة وتسعين في دولة الوحدة. وهذه الأيام يدعوا البعض الى خروج الناس للشارع وتقليد التونسيين ومن بعدهم المصريين لأن لهم مطالب، وكأن الطرق الأخرى في دول الديمقراطية قد استنفذت. ليس عندي إلا أن أقول "اللهم جنبنا الخروج من بر الأمان". [email protected]