✒كلما تذكرت والدي الذي لم يغب يومًا عن فكري ؛ لا ألوم فتاة فضّلت والدها على سائر الرجال. الحديث عن الأب لا يوازيه حديث، و لا يقل أهمية عن الحديث عن الأم، لكني هنا سأفرده لوحده؛ لأنه ...أبي( رجل بمعنى الرجولة) هنا و بكل فخر تجتمع كلمات الحب؛ لتعبر، و هنا بكل قوة تجتمع عبارات المجد؛ لتسطر مجدًا فريدًا اختص به أبي، و هنا بكل ألم تزاحمت صفحات من عبارات الفقد، و الذكرى؛ لتبكي. و هل العبارة تبكي؟! في نظري و نظر كل فتاة، و فتى فقد أعزَّ رجل، نعم تبكي، و لأني تعلمت القوة من والدي؛ لن أجعل البكاء حاجزًا يحيط بي، و يمنعني من تحقيق ما أصبو إليه، لأجلك والدي: هدفي أيا أبتاه حلمًا شامحًا، يرنو إلى هام السحاب سموّا.. نعم إنها الحياة نعيشها بحلوها، و مرها، و نكابد فيها ما نستطيع تحمله، و نعيد ذكرًا للوفاء محبة، عشنا تفاصيل الوئام فيها؛ ليكون وقودًا لنا وقت احتياجه. تعلمت من أبي الكثير و الكثير مع أنه توفي و أنا لم أبلغ الحلم، و مازلت أتعلم. تعلمت من أبي كثيرًا من السلوكيات عملًا، لا قولًا. هنا نتذكر قول الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} نعم، إنه العمل. لم أسمع يومًا والدي يقول سنفعل كذا، و سأحضر كذا دون أن يفعله؛ بل في كثير من الأحيان أرى كل شيء واقعًا أمامي. تعلمت منه-رحمه الله- أن صلة الرحم أساس الحياة في الشدة والرخاء. و لطالما اجتمع الأقارب في بيتنا الصغير من داخل و خارج الوطن.. و لطالما اجتمعنا معًا في أجمل الرحلات.. أجزم أن الأب لا يعوض، و لا أحد يخالفني في ذلك، و لا أبالغ إن قلت لكم : إنني في كنفه ملكة، وبعد فقده عصامية. و لقد علمني أن الحب فعلٌ قبل أن يكون قولًا، و أن الحياة جميلة في طاعة الله. فكم دعا إلى الله، و خطب في القرى و الهجر محتسبًا ذلك عند الله..! تعلمت منه أن القراءة حياة. و كثيرًا ما كان يقرأ الكتب الشرعية و الفقهية، و كان ملازمًا للقرآن. أيها القراء الكرام : إن التحفيز، من أسرار النجاح. لم أقرأ تلك الجملة في كتب التطوير، و لم يخبرني بها أحد سوى واقع عشته مع والدي رحمه الله، و لقد تعلمت منه كذلك السر في تأكيد القيم، و أن القدوة مسؤول. أيها الأزواج إليكم تلك الفائدة؛ لتطبقوها: كانت أمي -رحمها الله-أميرة، بعيدًا عن أي خلاف، فكونوا كذلك مع زوجاتكم.. أيها القراء : الصداقة كالطعام، إذا زادت جلبت الأسقام. ذكر عن والدي رحمه الله أنه يقول: ( أكثروا المعرفة، و لا تكثروا الصداقة) هنا نتذكر قول ابن الرومي : عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ. عشت مع والدي طفولة جميلة، فرأيت أن الكرم قد يكون في كلمة، و أن الشجاعة موقف. أما العيد الذي بعد والدي فينطبق عليه قول المتنبي عيدٌ بأية حال عدت يا عيد..) لكن أجمل ما فيه أنه يذكرني أن العيد مع والدي فرحة، وطاعة،(توأمان لا ينفصلان)و مازال كذلك.. تعلمت من والدي : أن قضاء حوائج الناس متعة. (من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته يوم القيام) تأملوها؛ لتعرفوا سبب المتعة. رحم الله ذلك الوجه البشوش الذي أدركت بعده أن الكرم ليس حاتميًا فقط. و حتى لا أطيل، إليكم بعضًا مما تعلمته، و يبقى الكثير : # لا يستعبد الناس إلا رب الناس. # المبدأ صخرة، لا تزحزحها الرياح. # الإنسان بعون الله، يصنع الحياة. # من يزرع لابد أن يحصد؛ فانتقوا البذور. في جعبتي الكثير، لكن المساحة لا تكفي، فعذرًا .. أخيرًا: تمسكوا بآبائكم، وإن فقدتموهم، فزيدوا برًا.