نحن الآن على مقربة من اختبارات الفصل الدراسي الأول لهذا العام، وهنا تبدأ السلوكيات الشاذة لطلابنا تظهر للعيان؛ تمزيق للكتب، وعبث بمكونات البنية التحتية، والكتابة على أسوار المدارس والمنازل المجاورة لها. وقد تطرقت إلى هذا الموضوع من قبل، ولكنني أرى أنني لم أعطه حقه، كما أن هذا وقت مناسب للعودة إلى موضوع سلوكيات الطلاب خلال فترة الامتحانات. أرى أن أول سبب لظهور مثل هذه السلوكيات المشينة هو عدم إدراك الطالب أهمية المقعد الذي يشغله، ويرى أن هذا حق مكتسب. قد نقبل هذا في المراحل المبكرة من التعليم العام، إلا أن هذا مرفوض ألبتة في المرحلة المتوسطة والثانوية، وقد امتد هذا الوباء إلى مراحل متقدمة من التعليم العالي. أرى أن تمزيق الكتب وإتلاف البنية التحتية سببه الجهل بقيمة المقعد الدراسي من قبل الطلاب وأولياء أمورهم، وهم لا يعلمون أن هناك ملايين من الناس في بلدان أخرى حول العالم غير قادرين على الانتظام في فصول الدراسة، إما لتكلفة التعليم، وإما لصعوبة الحصول، عليه وإما للكوارث الطبيعية أو تلك التي صنعها الإنسان من حروب ونحوها. كما أن الذكرى المريرة للطلاب في المدارس؛ نتيجة العنف الذي يمارس عليهم، قد تكون سببا في تفريغ ما اختزلوه في أذهانهم، خصوصا في المراحل المبكرة من التعليم من قبل المعلمين وأولياء الأمور، ولم يجدوا فرصة للانتقام إلا بتمزيق الأوراق والكتب والعبث بمكونات البنية التحتية للمؤسسة التعليمية عندما شبوا عن الطوق. ونتيجة لهذا، أصبح التخريب وعدم احترام المرافق العامة جزءا من ثقافة الأسرة. عندما نلاحظ بعض العائلات، وليس الكل بطبيعة الحال، وهي تتنزه في الشواطئ أو تحت ظلال الأشجار كيف تترك المكان الذي استمتعت فيه بوقتها، ملوثا مليئا بالقاذورات وبقايا الطعام ومخلفات الرحلة، فلا يكلف رب الأسرة نفسه أو بنيه بلملمة القاذورات ووضعها في سلة المهملات التي قد تكون ملاصقة لهم تماما، فيتركون المكان متسخا قذرا ملوثا، بحجة أن هناك جهات مخصصة تتولى هذا العمل، ولو تبقى معهم نفايات وقاذورات عند عودتهم إلى المنزل، فلا حرج في أن يلقي بها من نافذة السيارة. عندما يتربى الطفل في أسرة لا تحترم المكان العام، ولا تراعي مبادئ النظافة، ولا تكلف نفسها تنظيف المكان الذي وجدت فيه، فكيف نتوقع منه "الطفل" عندما ينتقل إلى بيئات أخرى كالمدرسة أو الجامعة؟ والشاعر يقول: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه الذي يحير الألباب ويفتق العقول أن كثيرا من أولياء الأمور وأرباب الأسر الذين يمارسون التخريب في المرافق العامة قد تظهر عليهم ملامح التدين والالتزام. السبب الرابع لتخريب الطلاب البيئة المدرسية هو نظرة الطلاب إلى المدرسة ذاتها، فالمدرسة قد لا تتوافر فيها الحرية الكافية للطالب، ولا يوجد ما يشجع الطالب على الوئام، فلا مكان فيها للترفيه، ولا وقت للمتعة، ولا يوجد متنفس للطلاب في المدارس سوى كرة القدم التي يمارسونها بعد عراك مع المعلمين، وقد يحرمون منها كجزء من العقاب. هذه بعض الأسباب التي أراها من وجهة نظري، وسوف أختم المقال ببعض المقترحات التي قد تحد من هذه الظاهرة. أولا ينبغي رفع قيمة المقعد الدراسي في أعين الطلاب والطالبات أيضا وأولياء أمورهم حتى نجعل للتعليم قيمة في أعينهم، ليس فقط في المدارس، بل في الجامعات. فقد ذكرت في مقدمة المقال أن هناك ملايين من الناس في بلدان أخرى حول العالم لا يستطيعون أن ينتظموا في فصول الدراسة، إما لتكلفة التعليم، وإما لصعوبة الحصول عليه، وإما بسبب الكوارث الطبيعية أو تلك التي صنعها الإنسان من حروب ونحوها، ولذا من المفترض عرض أفلام في المدارس والجامعات عن بيئات بعض البلدان التي لم تستطع أن توفر التعليم لمواطنيها، حتى أصبحوا عالة على شعوب أخرى. ويرافق هذا الاهتمام اختيار وتدريب وتحفيز المعلمين واستقطاب الأكفاء منهم، فالبيئات التعليمية والأكاديمية شبه خالية من هذه القامات المهمة والقدوات الشامخة من معلمين ومعلمات. وهنا نعود إلى السبب الجوهري لجميع مشكلات التعليم، وهو المعلم، فإذا أُعِد المعلم وقُدِّست مهنته، وكسب احترام المجتمع، فسينتهي ليس فقط تمزيق الكتب والعبث بمكونات البيئة المدرسية بل ستنتهي جميع مشكلات التعليم. وهنا تجب دراسة أسباب عزوف المعلمين الأكفاء عن هذه المهنة بتقاعد أو بنحوه، حتى أصبحت البيئات التعليمية خالية تماما من هذه العناصر الفريدة التي يصعب تعويضها. وبعد أن يدرك الناس أهمية التعليم ويستقطب المعلمون الأكفاء، يتم تطوير البرنامج المدرسي بما يتناسب والمرحلة التي يمر بها العالم، وهذا موضوع يحتاج إلى تفصيل. نترك ذلك لمناسبة مقبلة إن شاء الله.