كنت بمعية رئيس نادي الطائف الأدبي ضمن وفد مجلس إدارة النادي في زيارة لأمين محافظة الطائف المهندس محمد المخرج، ومنحه العضوية الشرفية للنادي، الذي حدثنا عن الطائف ومنجزات الأمانة فيها، وطموحات حكومتنا الرشيدة لما يجب أن تكون عليه المصيف الأول في المملكة والخليج في شتى جوانبها، وفي سياق حديثه عن الشراكة بين النادي والأمانة، حدثنا بكثير من الأسى عندما بلغ الحديث المرافق العامة وحجم العبث الذي يطالها من أيدي المخربين العابثين، والأدهى عندما أخبرنا بسرعة تلك الأيدي العابثة، فلا يكاد المرفق يكتمل ويقدم الخدمة للمواطن، حتى يطاله العبث وتشوه معالمه وخدماته. وذكر لنا العديد من الأمثلة، التي أضافت قلقا إلى قلقي الناشئ مما نشاهده ونلمسه من تخريب غير مبرر. فالجائل في حدائق الأحياء، والمرافق العامة، وبعض الميادين يتأفف من وعثاء المنظر في مصابيح الإنارة، والأشجار المحطمة أو المحروقة، ودورات المياه المعطلة، والجدران المشوهة بالكتابات، والمقاعد الخشبية التالفة، حتى اضطرت الأمانات لتأثيث الحدائق بمقاعد من الأسمنت المسلح، ولكنها أيضا لم تسلم. ولنذهب إلى مكان آخر، فالزائر لمدارسنا يقشعر بدنه، ويذهله كم الخراب في مبانٍ جديدة على طرز معمارية رائعة، لا ذنب لها إلا أن الطالب لا يجد متنفسا لتفريغ شحنات نشاطه أو غضبه أو ملله من يومه الدراسي إلا في الأثاث المدرسي أو الجدران والشبابيك، ناهيك عن السقف المسالم الذي ظن أنه بمنأى عن أيدي العابثين، فماذا لو يرى ما استتر خلف المبنى المدرسي، أو على سطح المبنى، أو في المستودعات المخصصة للأثاث المدرسي، فيرى المئات من الطاولات والكراسي والسبورات، والأثاث المكتبي، الذي لا ذنب له إلا أنه وضع في مبنى دراسي. ولا أنصحك مطلقا بزيارة دورات مياه الطلاب، لأنك بحق ستصدم، ولا أستبعد أن يصيبك مكروه. وفي نظري أن هذه السلوكيات العبثية، نشأت من تطرفنا في الجانب التربوي عن الطفولة المسؤولة، وبُعد التكامل بين البيئات التربوية، وغيرها من وسائل التأثير السلبية، حتى صنعت فجوة عميقة، سلبت من الابن الإحساس بالمسؤولية، ونزعت من إحساسه معرفة قيمة الشيء المادية والمعنوية، فكانت اللامبالاة. مشكلة عويصة تعانيها المدارس، وتستنزف من الوزارة مئات الألوف إن لم تكن ملايين الريالات سنويا لتأمين احتياجات المباني المدرسية، من أثاث ووسائل تعليمية، وفي نظري أن الحل بسيط، وناجع ومفيد للوطن عامة إذا ما طبقناه بشكل متقن وحازم، ابتداء من الصف الثاني الابتدائي، بعد جرعات تثقيفية للطالب من تاريخ دخوله المدرسة حتى نغرس في النشء احترام المرافق العامة والخاصة، وتقديرها في سن مبكرة ينمو معه على مدى مراحل حياته الدراسية وما بعدها، وخطوات الحل في نظري هي: أولا: يلقن طالب الصف الأول أهمية المحافظة على ممتلكاته الشخصية ومحتويات الصف، ويحفز عمليا على العناية بمحتويات الصف والمدرسة. ثانيا: يسلم الطالب أو الطالبة في الصف الثاني الابتدائي طاولته وكرسيّه بحضور ولي أمره، الذي ينبه ابنه إلى ضرورة المحافظة عليهما. ولا تسلم له شهادته إلا بعد التأكد من نظافة وسلامة طاولته وكرسيه اللذين سينتقلان معه إلى الصف الثالث. ثالثا: في الصف الرابع الابتدائي ينتقل الطالب بمقعده وطاولته إن كانت تناسب حجمه الجسدي، وإلا يتسلم طاولة مناسبة، ثم يتعهد بالمحافظة على مقتنياته، ويضاف إلى ذلك التعهد الفردي، تعهد جماعي لطلاب الصف، أن يحافظوا على مقتنيات صفهم من أنفسهم ثم من طلاب الصفوف الأخرى، وكذلك طلاب الصف الخامس. رابعا: طلاب الصف السادس الابتدائي، يزيدون عن سابقيهم بكتابة تعهد أشمل، يشمل جميع المبنى الدراسي، من فناءات داخلية وخارجية، وإضاءة وملاعب، حتى يتم تأهيلهم للمرحلة المتوسطة التي ستسير على هذا النهج، ويتعهد الطلاب بأنهم مسؤولون عن مبنى المدرسة بكامله، وستطالهم المساءلة جميعا إن لم يحافظوا على بيئتهم الدراسية سليمة ثم يستمر الأمر كذلك في المرحلة الثانوية. خامسا: يستبعد عمّال النظافة عن الصفوف والفناءات، ويكلف الطلاب بنظافة صفهم في نهاية اليوم الدراسي، تحت إشراف معلم الحصة الأخيرة. سادسا: يعاقب الطالب الذي تسجل اسمه (جماعة النظام) عندما يلقي بمخلفات إفطاره في غير الأماكن المخصصة لها، ويكلف الطلاب بتنظيف الفناء في نهاية حصة (الفسحة). ولا توكل إلى عمال النظافة. سابعا: عقوبات الطلاب المخالفين: أ يحرم الطالب من استلام شهادته إلا بعد إحضار بديل للتالف الذي عبث به، مع إصلاحه. ب يستدعى ولي أمره . ج إن لم يستجب ولي الأمر تصعّد القضية إلى إدارة التعليم لمتابعته والبت فيه. ثامنا: إذا تهاونت إدارة المدرسة بهذا الأمر، يكلف مديرها بالإصلاحات العبثية من حسابه الخاص، بعد مرور لجنة المباني الدراسية كل نهاية سنة دراسية. تاسعا: التعهد العام على الصف أو على المرحلة، يهدف إلى إشاعة روح المسؤولية بين الطلاب، وعدم السكوت عن العابثين بالممتلكات العامة، فإن عُرف الفاعل أجبر على إصلاح عبثه، وإن لم يعرف تتخذ إدارة المدرسة تدابيرها في إصلاح التلف في وقت قصير، حتى لا يعتاد الطلاب على مناظر العبث المشوهة للمباني والمرافق الدراسية، فيستمرؤون الأمر وتعود عجلة العبثية للدوران من جديد. عاشرا: الحزم في تطبيق الإجراءات مع الطلاب وأولياء أمورهم، حتى لو وصل الأمر إلى تطبيق لوائح السلوك المعطلة في المدارس إلا فيما ندر. أخيرا: هذه المقترحات هي نتيجة اجتهاد شخصي، لم أخضعها لوجهة نظر تربوية، ولا لتجربة خاصة، قابلة للزيادة عليها، أو الإنقاص منها، ولنتذكر أن إفراطنا في دلال الأبناء من المنزل إلى المدرسة إلى الشارع، وتعويدهم على أن (شخصا) سيأتي بعدهم، مهمته (رفع نفاياتهم، أو إصلاح عبثهم) هو العامل الرئيس وراء كثير من العبث، ولا ننسى المقولة المشهورة لبعض الكبار والصغار (ماعليك تجي البلدية وتشيلها). وفي سياق التلقين، أتذكر أنني كلفت طلابي بكتابة مقال عن ملحوظاتهم على تصرفات بعض الطلاب أثناء صلاة الظهر في المدرسة، فكتبوا كتابات إبداعية تناسب مرحلتهم العمرية، وصادف أن الصلاة بعد حصة الإنشاء، فأخذت أراقب المجيدين منهم، لأجدهم يمارسون الملاحظات ذاتها التي عبروا عن استيائهم منها بالأدلة، وهذا مؤشر كافٍ على أن التلقين وحده لا يكفي.