مرّت بزميلي الامريكي (مكسويل) محنٌ ومأسي وأكدار جعلته في حيرةٍ من أمره,فلا يفارقه هم ولا ينكشف عنه غم ولاتكاد ترى البسمة على محياه إلا في المجاملات النادرة,لقد أُسقط في يده ولم يجد لمشكلاته المستعصية حلولا, والتي يَرىَ أن من أشدها عليه تلك الخلافات التي ما انقطعت بينه وبين زوجته وأم ولديه,حتى انتهتْ بالطلاق من قِبَله هو,مما جعل زوجته المطلّقة ترفع عليه قضية حسب الآنظمة المتبعة في بلده, فَفُرضَ عليه قسطا شهريا من راتبه لصالحها.. حتى تتزوج,وكان هذا هو سر البلاء والمعاناة التي ألمّت (بمكسويل) فكان يقول لنا ليت ألآمر يقتصر على هذا,غير أن طليقتي تأخذ من راتبي وتصرفه على صديقها العاطل الذي يُعتبر زوجا لها غير شرعي والذي يجد من مالي مايكفيه ويكفيها دون عناء ومشقه...لكنهما إن تزوجا أُوقفَ حسْم القسط الذي أدفعه لمطلقتي,وهذا ما أطمح اليه وأتمناه! ومن هنا بدأتْ حكاية التحول الجذري تلامس حياة (مكسويل) حين اختطف أحد الدعاة الصادقين النجباء من الزملاءهذه, القضية من ابواب سلبياتها,فيقول (لمكسويل)وبإسلوب دعوي جذاب وبإخلاص وصدق(إن دين الاسلام يامكسويل قد عالج هذه القضايا الاسرية علاجا ناجعا لايستطيع أحدٌ من الناس علاجه أبدا,فالمرأة إذا طُلقتْ تبقىَ في بيت زوجها ويجب ألا تخرج منه,وتحسب لها طلقة واحدة من ثلاث طلقات,ولها ثلاثة أشهر يتراجعا فيها,وربما هدأت الامور وانصرف عنهما الشيطان,وإذا طُلقتْ في المرة الثانية,فإنها تبقى كالمرة الاولى ويبقى لها طلقة واحدة,فإذا طُلقت للمرة الثالثة وجب عليها أن تغادر بيت الزوج,ولايحق له استعادتها إلا إذا تزوجتْ زوجا أخر زواجا صحيحا,ثم طلقها من تلقاء نفسه,والله قد جعل المهر على الزوج فإن رغبتْ الزوجة في الطلاق بعذرٍ شرعي أعادت لزوجها المهر ويخالعها خلعا,والله يوصي الزوج والزوجة وأهلهما بألا ينسوا الفضل بينهم)! وأخذ (مكسويل)يستحسن هذا,وأخذ الداعية ومؤازروه من الزملاء يتابعون عن قربٍ وعن بعدٍ,ويلقون بالكتيبات البدائية النافعة عن الاسلام هنا وهناك,وحول مكتب(مكسويل),فكان يقرأ كل ما يجده حوله بكل نهم وشغف,حتى بدأ يسأل ويتسائل ويطلب المزيد من الكتيبات والاشرطة,مما جعل الزملاء يصطحبونه إلى دعوة الجاليات,حين وجد كتاب(فقه السنة)لسيد سابق مترجما على احدى الطاولات في صالة الاستقبال,فكان أول باب ألفاه حين فتحه (أحكام الطلاق في الاسلام)فأعطي له الكتاب وأعطي كتيبٌ مختصرٌ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم(الرحيق المختوم)للمباركفوري! وما كان من (مكسويل) بعد بضعة أيام,إلا أن اتصل بالداعية الآول ليلاً وقال له(انني قد وجدت أن هذا الدين هو الدين الصحيح وقد أسلمتُ لله رب العالمين..لكنني لااستطيع أن أنام هذه الليلة,قبل أن أدخل في الاسلام..فماذا أفعل؟ دلني ياصديقي!فقال له الداعية الحمد لله أنا ألان أخوك وصديقك معا,وأسلم مكسويل بصدق,وأصبح يقرأ مالم يقرأه الكثيرمن زملائنا الذين ولدوا في هذا البلد من أبوين مسلمين,وأخذ في قراءة منهج السلف والاعجاب بكتب بن باز وابن عثيمين وابن تيمية وابن القيم,وأصبح مكسويل داعية يشار له بالبنان,فقد أسلم على يديه الكثير من الامريكان والفلبينيين وغيرهم! بيد أن مشكلات مكسويل لم تنته بعد,فقد ظهر على الساحة مشكلة أخرى,لكنه تلقاها بروح جديدة غير تلك الروح القديمة,لقد قال( هذا ابتلاء من الله عز وجل أسأل الله أن يفرج همي ويكشف غمي ويؤجرني خيرا),وذلك حين رَفعتْ طليقته دعوى أخرى تطالبه فيها بدفع كافة مصاريف ابنيه أثناء دراستهما,وقد أوكَلتْ لهذه القضية محاميا استطاع أن يحمّل (مكسويل) مبلغا يعادل مائة وعشرون الف ريال سعودي! لكنها كانت قد تزوجت برجلٍ أخر,غير صديقها وهذا ما جعل الاعباء تخف عن كاهل(مكسويل) بعد أن أوقِفَ حسم الاقساط عنه غير أن المحكمة الامريكية أرسلت خطابا إلى الشركة التي يعمل بها مكسويل للحضور فورا,ومقابلة المحامي والقاضي للفصل بينه وبين طليقته,فما كان منه إلا أن ذهب اليهم,ولم يجد إلا أباه الطاعن في السن وقد تجاوز التسعين عاما,وقد هجره الابناء والبنات وتركوه وحيدا في بيته لايكاد يقدر على شيء,فما كان من مكسويل إلا أن رعى أباه حق رعاية وأخذ يحمله وينظفه,ويصنع له الطعام ويسقيه,مما جعل والده يعجب لهذا الصنيع ولايكاد يصدق أبدا,فقال له مكسويل(أنت أبي وأنا ابنك وديني يحثني ويأمرني أن أرعاك وأبرك وأقول لك حُسنا,حتى وإن لم تكن على ديني)! وحين حكمتْ المحكمة على مكسويل بدفع المبلغ المقرر عليه,وإلا فالسجن,لم يجد مكسويل بدا من دخول السجن,فهو لايملك المبلغ المطلوب,وفي السجن تذكر مكسويل يوسف عليه السلام,فأخذ يدعو من هم في السجن,فأسلم سبعة أشخاص في السجن وكان أحدهم كبير السجانين,وكان هذا خلال شهرين قضاهما هناك. غير أن والد مكسويل لم يحتمل فراق هذا الابن البار,فذهب إلى المحكمة وقرر أن يرهن بيته الوحيد على أن يُطْلق سراح مكسويل ويعطى ستة أشهر,لاحضار المبلغ,فأُطلق سراح مكسويل وهو يبكي على زملائه الذين اسلموا ويطمع في المزيد,وزملاؤه يبكون ايضاً على من أخرجهم إلى نور الاسلام! وعاد مكسويل الينا قبل بداية شهر رمضان بإسبوع واحد,وكان هذا قبل أكثر من سبع سنين,وقد أحضر معه أوراقه وتقاريرة المختمة من المحكمة والسجن,وهو يقول في نفسه(كيف أجمع هذا المبلغ الكبير في ستة أشهر,وراتبه الشهري,اثنى عشر ألفا فقط)؟ فعلم الداعية الآول (الذي حدثه أول مرة) بحال مكسويل,وكان هذا في أول يوم من شهر رمضان,فذهب في هِمّة الرجال الافذاذ,وتوجَه توجه الكرماء النبلاء إلى مدير عام الوحدة التي يعمل بها,فأطلعه بأخبار مكسويل المعروف لديه باستقامته وإخلاصه في أعماله الموكلة له,فجمع رؤساء الاقسام وأئمة وخطباء مساجد الوحدة,واستشارهم بأمر مكسويل,فأشاروا عليه,بأن يحثّ الناس على الوقوف مع هذا الاخ المسلم الداعية الصادق المبتلى,فهبّت الوحدة بكل أقسامها,وتم جمع أكثر من مائة الف ريال سعودي قبل اليوم العاشر من رمضان,وتم تحويلها للآب الذي سارع بفك الرهن عن بيته وعن ابنه مكسويل! وأما مكسويل فقد فرح بهذا التعاون وطار إلى أبيه مرةأخرى طمعا في اسلامه,وعاد الينا ونشوة الفرح تغمره بإسلام أبيه الذي, لقي ربه بعد اسلامه بشهر واحد فقط! لازال مكسويل على رأس عمله,ولازلت أذكر عنه أقوالاً كلها عبر وحكم تُكتبُ بماء الذهب منها: 1-ما أعظم هذا الدين..لكن ما أقل دعاته في الغرب! 2-لو أن أحد الدعاة المخلصين خرج في أحد شوارع امريكا وتحدث عن الاسلام في 200 شخص لاسلم منهم عشرة أشخاص على الاقل,وقدلا يسْلمُ الداعية من ألاذى لكنه مأمور بالدعوة لله. 3- أعجبُ ألا يكون المسلمون جميعا سلفيين على منهج الصحابة ومن تبعهم بإحسان,إذ كيف ألا يتبع المسلم سلفه ويتبع غيرهم؟!! 4-أرى أن في التشيع والتصوف شرك بالله, ويجب دعوتهم على التوحيد الخالص لله رب العالمين عن طريق دعاة حكماء صادقين. 5- تطمئن نفسي إلى علماء هذا البلد,فأرغب في أخذ الفتوى عنهم. 6-كان في المحن التي مرت بي منح من الله ساقتني للاسلام. هذا هو زميلي الامريكي الذي اسلم فنفع الله به,وهو الذي قد أسمى نفسه (يحيى) منذ لحظة اسلامه,مسلمٌ لم يعش في الاسلام إلا سبع سنين ونيف, وقد اسلم على يديه الكثير,وقد أصبح متفقها في دينه ملماً بالكثير من أقوال المفسيرين المعتبرين,قرأ السيرة النبوية والصحاح وغيرها,يدعو إلى التمسك بالدين والدعوة له في كل مكان بالحكمة والموعظة الحسنة!!! رافع علي الشهري [email protected]