من يصلح الملح إذا الملح فسد ..؟ طوال سنوات مضت كان العالم الشرعي يمثل الصورة الناصعة للرجل الناصح المشفق على الأمة المترفع عن الصغائر .. كان العالم في أذهاننا رجلاً عرف الله حق المعرفة ونهل من معين الدين فهانت الدنيا عليه وعظم في نفسه شأن الآخرة .. هو دائماً مثال لسمو الروح ونبل الخلق و الابتعاد عن صغائر الأمور .. هو الرجل الباذل للمعروف الساعي في نشر المعرفة .. هو شخص وهب حياته و مطامعه الشخصية لهدف أسمى .. هو إنسان متبصر ينظر في المآلات ويقدر العواقب ويحسب حساباً لكل عمل .. هو قدوة في تعامله مع من يخالفه وفي بحثه عن التأويل الحسن وتقبل الاختلاف .. إنه حسن الظن بالناس يحب لهم الخير ويسعى في حاجاتهم .. يصدع بالحق و يقتفى الناس أثره في الشجاعة بالحق .. نبيل المقاصد متخفف من الدنيا و متاعها لا يبحث عن الجاه ولا يعبأ بالأضواء و الشهرة .. إنه رجل بعيد عن المنافسة على المال و البحث عن المنح و تشبيك الأراضي وحسابات الأرباح والخسائر.. كانت تلك العلاقة الإيجابية بين المجتمع و علماء الشريعة هي أحد السمات البارزة التي طالما افتخرنا بها وكانت سبباً جوهرياً لتمسك الناس بدينهم و احترامهم لوجهة نظر العلماء وتمسكهم بدينهم !! يستدعي الذهن كل هذا و نحن نرى أشياء لم نتعود عليها من علماء كنا ولا زلنا نحمل لهم التقدير و الاحترام !! فمنذ متى ونحن نرى العالم يخوض صراعات جانبية ضد تيارات حركية أو حتى ضد أشخاص يصنفون من طلبة العلم في قضايا أقل ما يقال عنها أنها هامشية أو ذات أهداف غير واضحة ؟ أنا لا أتحدث هنا عن نقض الأفكار ومجابهة الحجة و مناقشة الدليل ، بل أتعجب من تحول مسارات الحديث إلى محاكمة النوايا وتقييم الأشخاص و سوق الاتهامات ، والتي قد تتجاوز المسار الفكري إلى محاولات للتحريض واستعداء السلطة و التلويح باللجوء للمحاكم !! نعم العالم بشر ، وهو يصيب ويخطيء ، وتناله حظوظ النفس ، ويعتريه النقص البشري .. كل هذا صحيح ، لكنه لا يبرر أن تكون سيرة العلماء مادة خصبة للسقطات الفكرية و صراعات الخصومات الشخصية و التعلق بالدنيا و المنافسة على المال أو المكانة !! وفي كل حال فليس من المعقول أو الطبيعي أن تكون علاقات أهل الفن و آراءهم في بعضهم أكثر لطفاً وتوازناً و لباقة من أراء المشايخ الفضلاء وطلبة العلم ببعضهم .. نحن نشاهد هذا يومياً و قد نختصره بتصنيفات على شاكلة ( جامي ، و سلفي ، و تنويري ، وحكومي ) لكن هذه التصنيفات لا تحمل تبريراً مقنعاً وقد يقول لك البعض إن الشيخ تنقل له صورة مضخمة من طلابه ؛ وهذه أشد و أسوأ ... إن هذا الحديث قد لا يعجب البعض ، وقد نلجأ إلى إنكاره ، لكن الحقيقة مرة دائماً ، و كل من لاحظ ذلك أصابه الألم و ظهر أمامه تساؤل كبير : إلى أين نحن ذاهبون ؟؟ إن مثل هذه الصراعات لها من يذكيها ، وهناك مستفيد من كل صراع ، لكن الخاسر الأكبر هو المجتمع و المؤسسة الدينية التي تستنزف رصيد الاحترام الكبير الذي لا يمكن تعويضه أو ترميمه !! إنها دعوة صادقة لكل من تشرف بحمل العلم أن يتقي الله في علمه و فينا .. خاتمة : الناس يثقون بالعلماء لأنهم يعتقدون أنهم الأتقى قلوباً و الأنقى جيوباً .. عندما يفقدون ذلك فيهم .. ربما سيبحث الناس عمن يصلح دنياهم مهما كان توجهه !! أحمد بن عبدالله أباالخيل