قبل أسابيع قليلة ضجّت الساحة السعودية بأصداء تغريدة الشيحي الشهيرة حول الليبرالية السعودية ومشروعها التنويري "الذي يبدأ بالمرأة وينتهي بها"، وما اقترفه بعض أدعياء الثقافة في بهو الماريوت. وإن كان الشيحي قد عبر عن تلك التجاوزات التي شهدها بمصطلح الخزي والعار , خزيٌ دينيّ وأخلاقيّ . فاليوم موعدنا أيضاً مع أولئك المتمسحين برداء الليبرالية والثقافة! ولكن مع نوعٍ آخر من الخزي والعار! إنه خزيٌ ثقافي ، وعارٌ فكري، وكل ما يمكنك حشده من أشكال الخلل المعرفي الجسيم. لا أكشف سراً ولا آتي بجديد إن أشرت إلى موقف المجتمع السعودي الشعبي الرافض لليبرالية الناقم على أصحابها، قد يكون لأولئك الليبراليين تأثيرا وتواجدا فُرض رسمياً بالدعم والتمكين، ولكن الحقيقة التي يعرفها الليبراليون أنفسهم أكثر من غيرهم، إن الشارع السعودي يحمل تجاههم الكثير من المشاعر السلبية. الجديد أن هذه المشاعر تزداد عمقاً، وتتفاقم مع اكتشاف حقيقة أولئك القوم يوماً بعد آخر. المجتمع السعودي كان يعرف ذلك الليبرالي من خلال زاويته الصحافية أو مداخلة عابرة هنا أو هناك. شعارات زائفة يطرحها، ونظريات جوفاء يكتبها، ثم يمضي لحال سبيله دون حوار أو نقاش، واليوم مع اقتحامهم الإعلام الحديث والبرامج الفضائية الحوارية ظهر لنا ولهم ما لم يكن بالحسبان. وجد «المتلبرل» نفسه فجأة في مواجهة حقيقية مع الواقع، مع القارئ، مع العالِم والداعية الذي كان يحاربهما من وراء حجاب! أصبح الليبرالي الذي يكتب مقالهُ في الصحف الرسمية السعودية منادياً بقيم الحرية واحترام الرأي أول من يناقض نفسه بمجرد أن يناقشه أحدهم على «تويتر»، فيلجأ للهرب أو يقع في مستنقع السب والاتهام وازدراء عقول الناس. ذلك المتثيقف المتلبرل الذي أشغلنا بمقالاته التي يطالب فيها بالاختلاط والتكشف وإسقاط المحرم ما أن تنهال عليه أسئلة المتابعين في شبكات التواصل الاجتماعي يحاورونه وقد يستحلفه أحدهم بالله: هل ستقبل أنت أن تعمل زوجتك مع رجل آخر في مكتب واحد تقضي معه 8 ساعات يومياً، أو أن تسافر ابنتك للخارج وحدها؟ حتى يقول مراراً وتكراراً: لا أقبل ولا أرضى! إذن فلماذا أيها المتناقضون غريبو الأطوار، لماذا ترضون للناس من الأذى ما لا ترضونه لأنفسكم؟! وهكذا تتوالى سقطاتهم وازدواجيتهم وباطلهم الذي يروجون له مع أول مواجهة مع المخالفين. وكنت قد وجهت قبل أيام رسالة وأعيد توجيهها هنا إلى كل من يقف في «الداخل والخارج» خلف تلك الليبرالية السعودية» تخطيطاً، وتأييداً وتمكيناً»، لكل من يهتم بتحقيق مصالح تلك الفئة وحفظ البقية الباقية من ماء الوجه، امنعوا منتسبيها أو أدعيائها من دخول أي مناظرة أو منازلة ثقافية مباشرة مع الناس عامة، ومع الشرعيين خاصة! فالأمر بات محرجاً لكم للغاية والفضائح تتوالى. «ديوانية الدانة» برنامج حواري على قناة الدانة الفضائية يستضيف كل ثلاثاء مجموعة من المثقفين والأكاديميين لنقاش بعض القضايا المجتمعية، وكان آخرها ملف الليبرالية السعودية، والذي طُرح في عدة حلقات، ومنها حلقة الثلاثاء الماضي (6/4/1433) بعنوان: «الليبرالية إلى أين؟». ولأن سياسة البرنامج تقوم على استضافة ضيفين يمثلان التيار الليبرالي وآخرين عن التيار الإسلامي أو المحافظ فقد تواجد أ. حمد الباهلي ود. عبدالرحمن الوابلي وهما كاتبان صحفيان، وبالمقابل حضر د. محمد السعيدي، ود. بندر الشويقي، وهما أكاديميان وشرعيان. الحلقة أبسط ما يُقال عنها أنها صادمة بكل المقاييس! نعم كنا نعرف مسبقاً الجهل الديني , والضحالة الفكرية , والجدب الثقافي الذي يعانيه بعض كتبة صحفنا الرسمية، ولكنّا لم نتصورها بهذا الشكل الفاجع! الموضوع كان عن الليبرالية، وكلا الضيفين ممن يجاهر ويفاخر بليبراليته، ومع ذلك فشلا فشلاً ذريعاً فادحاً في تعريف معنى الليبرالية أو تحرير مصطلحها، بقيا طيلة الحلقة يراوحان بين التلكؤ والتأتأة والتخبط دون أن يقدما معلومة واحدة صحيحة أو كلاماً متزناً عقلانياً يستند لعلم أو بحث. فقد عرّفا الليبرالية أنها «التسامح والاتساق مع النفس والمحيط، وأن تقدّم الفرح والحب ولا تثير المشاكل وتكون مقبولاً من الآخرين» , ورغم سذاجة هذا التعريف إلا أن المتلبرلين أيضا أبعد مايكونون عن تطبيقه . ثم خلطا بين مفهوم الليبرالية والديمقراطية، ولم يستطيعا بيان العلاقة بينهما أو حتى الفرق بينهما. وأخيراً أتيا بالطامة وقالا إنه لا وجود لليبرالية في السعودية، فهي مجرد اصطلاح وهمي أطلقه المتشددون لمحاربة المثقفين!! " عجبا كيف نسفا تيارهما وتواجده نسفا ! ثم كيف ياسادة تتشدقان كل الوقت : نحن ليبراليون والمستقبل لنا ثم تعتبرانها شيئا وهميا ؟!! تحدث السعيدي والشويقي فظهرا بذات الصورة التي اعتدناها عن أغلب الدعاة والمصلحين من النخب: ثقة و وضوح , ثقافة عالية وتأصيل علمي ، تمكّن معرفي هائل في الجانب الشرعي والتاريخي والسياسي واللغوي وغيرها. العجيب أنهما تناولا الليبرالية والديمقراطية فتحدثا بتفصيل عن تعريفهما، نشأتهما، أطوارهما... فأبدعا فيما عجز الليبراليون أنفسهم أن يأتوا ببعضه! قبل أن أختم: لمن قد يعتقد بعدم حياديتي وإنصافي، أناشده بمتابعة الحلقة وهي موجودة عبر اليوتيوب. ختاماً: شكراً أقولها اليوم لوسائل الإعلام الجديد، شكراً لبرامج الحوار المباشر، ساهمتم في كشف اللثام عن الوجه القبيح لليبرالية، وتعرية جسدها المشوّه البغيض. ريم سعيد آل عاطف صفحة الكاتب على تويتر http://twitter.com/Reem_Alq