ترحيب وحفاوة بجميع الحركات والألفاظ وشاي وقهوة ..ولو وُجد العصير لقُدِّم لهذا القادم للمكتب متعطراً متهندماً ، مع هيئة ذات هيبة. وفي النهاية اكتشف أنه جاء طلباً للعون فهو محتاج وأغلى مايملك هو مايلبس! فتخيل التغيرات التي طرأت على هذا الكريم الحاتمي شكلاً ولفظاً، فقد كاد يطرده ، وما منعه إلا وجود زبائن خاف من ردة فعلهم نحوه في حال طرده !! وعلى الجهة الأخرى ، أحدهم دخل عليه في مكتبه العقاري رجلٌ عليه علامات العوز والفاقة من ملابس رثة ، وهزال جسدي بين ، فكان استقباله له باهتاً ولم يلق ِ له بالاً ، بل انصرف إلى أحد الزبائن ببصره وقلبه وجميع حواسه. وعندما مل َّ هذا الرجل (( المهمش المطنَّش )) أشار بيده إلى صاحب المكتب قائلاً : معذرة أنا مستعجل ، لكني أود الاستفسار عن القصر الذي في حي...وذكر حياً راقياً فيه هذا القصر المعروض للبيع بما لايقل عن ثمانية ملايين ريال!! هنا انتفض صاحب المكتب انتفاضة كآلة لاتعمل إلا على خط 110 ، ووُصلت بخط 360 !! وتخلى عن الزبون الذي ( كان ) قبل قليل مالكاً لشغاف قلبه ، وقام إلى عدة إكرام الضيوف البائسة التي لم يبقَ فيها إلا (حثالة ) القهوة وقليل من الشاي البارد (العاقد) !! فلا يعلم أيقدم له منهما أم يدسهما في كيسهما ! وبدأ بألفاظ التنمق والترفق والتأدب والدعوات التي تصل إلى أن يَسكن هذا الرجل ووالديه وأعمامه وأخواله وعشيرته الفردوس الأعلى !! هذا من الناحية الماديةأما في الناحية المعرفية العلمية ، فقد يُرى رجال ذوو هيئات توحي بالعلمية المفرطة التي تفيض كما يفيض النهر ، فيُنظر إليهم باحترام وإجلال كبيرين ، ولكن عندما يَنطق أحدُهم فسرعان مايندم مَن أجَلَّهم إجلالاً فائقاً . فالكلام ركيك ، والأسلوب سقيم ،والفِكرضحل..إلخ ويُرى رجالٌ عليهم علامات البساطة كلها ، فبساطة في اللباس ، وبساطة في الدخول على الناس في مجالسهم ، وبساطة في الحديث المبدأي ..إلخ. ولكن ما إن يدخلون في نقاش أو حوار إلا وقد أسرُوا مَن يحاورون ويناقشون ، فهم بحار علم ، ومحيطات ثقافة واطلاعات ، ويقدمون المعلومة بأسلوب شيق جذاب يفرضون من خلاله احترامهم الذي لم ينالوه قبل أن يتحدثوا !! علينا أن نقدر الرجال كافة ونحترمهم دون النظر إلى هيئاتهم وحالاتهم ، فالاحترام والتقدير للجميع لاشك أنه لازم ، ثم من بعده يأتي الإجلال والتوقير لأهل العلم . وليأتِ الاهتمام الزائد _ من قبل أصحاب المصلحة_ بذوي اليسار وأرباب المال والأعمال عندما يتبين لهم ذلك ، وإن كنتُ لاأحبذه ! وأما أن أحترم هذا وأحتقر ذاك تبعاً للشكل والمظهر فهذا ليس من الدين وليس من المروءة في شيء بتاتاً . ** رافدان : 1 مرّ رجل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لرجل عنده جالس : ( ما رأيك في هذا ؟) ، فقال: رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفّع، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مرّ رجل فقال له الرسول : (ما رأيك في هذا ؟) ، فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريُّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال الرسول: ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) . 2 قال الرسول صلوات الله وسلامه عليه : ( المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يخذله ولايكذبه ولا يحقره ). عبدالله بن إبراهيم بن حمد البريدي Al-boraidi@hotmail.com