لا تزال السيرة النبوية معيناً لا ينضب للمسلسلات العربية، تستمد من روحانيتها وفساحتها العديد والعديد من السيناريوهات المختلفة. وفي مسلسل «صدق وعده»، الذي يخرجه محمد عزيزية. ويشارك في بطولته خالد النبوي، ريم علي، أيمن زيدان، وغيرهم من مشاهير الممثلين والممثلات. في هذا المسلسل يستلهم كاتب السيناريو عثمان جحا قصة حقيقية من السيرة النبوية، مع تحوير قليل في التفاصيل وأسماء الشخصيات، وهي قصة الصحابي مرثد وعناق، اللذين يأخذ دورهما خالد النبوي وريم علي. والصحابي مرثد مشهور في كتب التفسير وبالذات في تفسير سورة النور واسباب نزولها. وكان هذا الصحابي قوي البنية ماهراً في تهريب المهاجرين إلى المدينة. المسلسل يعرض على هامش السيرة كجميع المسلسلات الأخرى لقصة جانبية هي قصة الحب التي تدور بين مرثد وبين عناق في الجاهلية وتستمر بعد دخوله الإسلام. إلى أن تتسبب حادثة طارئة في التفريق بينهما وهي أن مرثد يرفض إقامة أي علاقة معها بعد أن سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ونهاه عن ذلك. وفي «صدق وعده» تتعرض الفتاة «عناق» في العصر الجاهلي إلى التشريد والفرقة عن أسرتها، وتنتقل متشردة بين أماكن متعددة إلى أن يسيطر عليها في النهاية نخاس للعبيد والجواري، ويحاول تيم الذي استلهمت شخصيته من شخصية الصحابي مرثد أن يخلصها، فيطلب منه النخاس مبلغاً طائلاً من المال، ويحول والده بينه وبين استنقاذها ويشرح وجهة نظره تلك بأن دفع المال لاستخلاص جارية كافرة يعد مغامرة في حين أن الإسلام وخدمته أشد حاجة إلى ذلك في هذه الأوقات العصيبة، وينعي والد تيم عليه ذلك الحب الشديد الذي يصرفه إلى جارية يتلاعب بها النخاسون في حين يتعرض دينه ونبيه وصحابته ودعوتهم للأهوال والأخطار. ويطاوع تيم والده مرغماً على ذلك، ويتخلى عن عناق، فيعرضها النخاس بعد انتهاء المهلة التي منحها له للبيع على أحد جبابرة الجاهلية، وتتقاذفها الأهوال بعد ذلك، ويجبر والد تيم ابنه على الزواج بابنة عمته. أصل الحكاية التي تم استلهامها في المسلسل موجود في سنن الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة. قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق، وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحمله. قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة. قال: فجاءت عناق، فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط. فلما انتهت إلي عرفته. فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحباً وأهلاً، هلم فبت عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم. قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة. فانتهيت إلى كهف أو غار، فدخلت. فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، فظل بولهم على رأسي وأعماهم الله عني. قال: ثم رجعوا، ورجعت إلى صاحبي فحملته. وكان رجلاً ثقيلاً حتى انتهيت إلى «الإذخر»، ففككت عنه كبله، فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرد علي شيئاً، حتى نزلت «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها» قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه». وعلى رغم الجو الدرامي والحكاية الافتراضية المختلفة المستلهمة من قصد مرثد وعناق إلا أن بعض العوائق التي اعترضت المسلسلات التاريخية المتعلقة بالسيرة النبوية لا تزال قائمة في «صدق وعده»، إذ إن البيئة التي تم تصويرها في مكةوالمدينة هي بيئة رملية صحراوية، في حين أن بيئة مكة بيئة جبال وصخور وأودية، ولذلك لم ينجح المسلسل في اختيار تضاريس موائمة لتلك البيئة.