لقد كنت متردداً في اختيار الطريقة التي سأخبره فيها بنبأ محاولة الاغتيال الآثمة .. فقد خبرت شدة غيرته على وطنه وتأثير مثل هذه الأنباء عليه .. لم أكن راغباً في أن يتلقى هذا النبأ من لساني إلا أنني خشيت من الأسلوب المباشر الذي ينتهجه أخي الأصغر في إذاعة أنباء كهذه .. لذا سارعت في إخباره ونحن على مائدة السحور ! .. قلت له : الحمد لله على سلامة محمد بن نايف ! .. لم أكن مجبراً على تلقيب ابن نايف لأن اسمه بحد ذاته لقب للسمو ! .. لم تكن هنالك لقمة ليغص فيها – حفظه الله – فقد آثرت إخباره قبل أن تمتد يده إلى قطعةٍ من رغيف البر .. لحظتُ اتساع عينيه فلم أنكره .. وتوقعت أمره بإعادة جملتي فلم أشك بسماعه لها .. وكنت مستعداً لأدق التفاصيل التي سيسألني عنها .. حوقل وقال في تلقائية وصفاء نية : الحمد لله على السلامة .. فكّه الله .. وكرر جملته المعتادة ( الله خير حافظ ) .. ! أتذكر تلك اللحظة وترتسم في خيالي تقاسيم وجه والدي – حفظه الله – لحظةَ سماعه النبأ كلما قرأت ردود الأفعال من مقالات (بعض) أولئك الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين ! .. وأتساءل في داخلي : هل يا ترى ارتسمت على وجوههم ذات التعابير التي جمعت الدهشة والألم والغضب حينما تلقوا ذات النبأ المؤلم ؟! .. حينما أقرأ ردود فعل بعض هؤلاء أتخيل وجوههم تلك اللحظة .. وكأني بها متعطشة لمثل هذه الحادثة لتغذي بها صراعاتها مع آخرين ! .. يا لتعاسة أولئك الذين يستغلون الوطن وجراحه في تصفية حساباتهم القذرة .. إنهم أولئك الذين يتغذون على الجراح ويستطيبون اللعب في أوحال الدم حتى يقذفوا به في وجوه مخالفيهم ! .. لم يحمل والدي يوماً قلماً ليكتب به ملاحم حب للوطن .. ولم يكن شاعراً ليدبج قصائد في الولاء .. ولكن جذور حب الوطن ضاربة في أعماق قلبه .. وقواعد الولاء راسخة وقوية في فؤاده .. عندما ترى قسمات وجه هذا الرجل وأمثاله وتقرأ مقالات أولئك الانتهازيين سوف تفرّق حتماً بين من يحمل وطنه بين جنبيه في رخائه وشدته وبين من (يتوطنن) في الأزمات ! عبدالرحمن بن صالح الحمادي – تعليم الجوف [email protected]