بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله رسالة عتاب إلى أبي انس ، رحمه الله .. عجيب أمرنا لا نأتي إلا بعد الفاجعة أو الحوادث ، فيذهب هذا التصرف الكثير من المسرات التي كنا نأملها بسبب تأخرنا عن الملجئ في الوقت المناسب . نكيل المديح والإطراء والنحيب ونذرف الدموع على من رحلوا عنا ، والعجيب أننا لم نفطن لهم إلا بعدما يهزنا خبر موتهم ، عندما يأتي عبر رسالة جوال على حين غفلة ، يرسلها احدهم إلى عدد كبير من الأسماء المخزنة في جواله دون النظر في الاستعدادات النفسية لملتقي الخبر ، وهنا يكمن العطب فقد نسبب لأحدهم صدمة نفسية قوية بسبب تلقي الخبر بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار . لماذا لا نذكر نجومنا إلا بعد فراقهم ، ثم نذرف عليهم الدموع لحظات وينتهي كل نشئ ، أليس لهولا حق علينا إن نشعرهم بحبنا وتقديرنا لهم جراء ما قدموا لدينهم وأمتهم ووطنهم وهم إحياء يرزقون بيننا ..؟ هناك الكثير منهم الآن أحياء يرزقون وقد قدموا الكثير والذي يستحقون به أن يكرموا لأنهم بعد موتهم سيجدون التكريم الرباني منه سبحانه وتعالى . ما سبب هذه المقدمة .؟ بعدما فجعنا بفراق الشاب الذي جمع ألوان الطيف في كفه ، حيث اجمع الكثير والكثير على حبه وتقديره والدليل تلك الجموع الهائلة التي انهمرت عبر شوارع بريده متجة في لهيب الحر إلى الصلاة عليه وتشييعه ووضعه في لحده ، ما دليل هذا ، فلا احد اجبر على الخروج . هذه عادتنا لا نذكر الا بعد ما نفقد . وإنا سأدلي بدلوي في سكب العبرات مثلي مثل غيري على فراق هذا الشاب المبتسم لأني ما رأيته في ايي مناسبة إلا وهو متفائل ومبتسم . حديثي عنه سيكون مختلف ، فالمديح والإطراء والثناء قد بلل قبره من محبيه ، وهو ليس بحاجته بل بحاجة الدعاء ، ولكن سآتي من جهة أخرى ، حيث سأطرح سؤالا : ما الذي جعل الناس بهذا التنوع يتفقون على الخروج مع جنازته ..؟ قضية الأجر متفق عليها ، ولكن في كل يوم يشيع أناس ولم نرى هولاء خرجوا .؟ إذا هناك سربين جوانح فقيدنا جمعهم وجعلهم يخرجون ، فماهو ياترى ..؟ في الأيام القليلة الماضية تتبعت بعض ما كتب عنه رحمه الله ، فوجدت أن كثيرا من الذين كتبوا عنه اتفقوا على وجود خصال نادرة جمعت له هذا الحب ، وهي حسن الخلق ، وبذل الجاه ، والصبر . لاحظ هنا هذه الخصال لا يجيدهما السواد الأعظم من الناس ، والسبب أن فيهما مقوم الصبر ، والصبر لا يجيده إلا القليل من ذوي الأعصاب الفولاذية ، فالناس بطبعهم لا يرون إلا أنفسهم ، ولا يهمهم إلا قضاء حوائجهم فقط لذلك تجدهم عند طلبها ينسون أمر القيم أو الإنصاف أو الإيثار ، فمن هو الذي يتحمل ذلك .؟ أبو انس كان من هذا النوع ، قضاء حوائج الناس جبلة فطرية به تجدها عنده معروضة بالمجان ولا يبتغي لها ثمنا لأنه قد أودع حساب هذه الخصلة في بنك الذاخرة ، حيث يأمل أن تكون عوائد هذه الخصلة تقيد في أرصدة الآخرة فتخطى الاذي الذي يأتي من هذه الخصلة فسبح في نهر الصبر عليها ، وصبر على البلوى التي أصابته في جسده فلم يعرف عنه التشكي او التسخط حتى أتاه اليقين من ربه . ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) والأخرى وهي حسن الخلق ، فلو تأملت في مقال الناس هذه الأيام لوجدت أنهم يتحدثون عنه وكأن كل واحد هو صديقه الأوحد وهو قد رآه في مناسبة أو راجعه في عمله ، إذا لماذا أحبه كل من تعامل معه ، بينما الكثير غيره في نفس المكان ..؟ ورد في السنة ان اقرب الناس منزلة يوم القيامة من نبينا صلى الله عليه وسلم ، من يتصف بهذه الصفة وأظن أن أبا انس قد تاقت نفسه إلى هذه المنزلة ، فجسد حسن الخلق واقعا في حياته طمعا فيما سيجده عند ربه . إذا ما هو دورنا نحن من هذه الصفات البذل وحسن الخلق والصبر ..؟ كثيرة هي المشاحنات والبغضاء دبت في مجتمعنا بسبب فقد هذه الخصلة حسن الخلق والصبروالبذل ، وان شئت دليلا فتأمل ، ولن اخرج بك عن دائرة الحديث عن أبي انس . يوم الخميس الذي صلي عليه ودفن فيه ، رحمه الله ، اسرح بطرفك متأملا الجموع العظيمة من الناس التي اجتمعت في المسجد ، كيف وصلت إلى المسجد .؟ تعطيك إشارة لما فقده البعض منا من هذه الخصلات . خرج كثير منهم من منزله مع أذان العصر أو قبله أو بعده ، وهو يترحم على أبي انس ، الطريق إلى المسجد بعيد عن بيته وهي غير سالكة ، كل همه أن يصل إلى المسجد قبل أن تقام صلاة العصر ، والهم الأكبر ان يلحق صلاة الجنازة ، هذا بالتالي جعله يتصرف من خلال هذا تصرفات بعيدة جدا عن حسن الخلق والصبر ، فأول العلامات على (فلتان) الأعصاب عندما تعترضه إشارة مرور ، حين تضئ ، فياويل من يكون أمامه من صوت المنبه ، حتى ولو كان أمامه خمسين سيارة ، المهم أن يتنفس من شدة الضيق من خلال هذا المنه ، كأنه سيفتح له الطريق . وصل صاحبنا المتأخر والصلاة قد أقيمت ، لم يجد مكانا لسيارته ، تختلط عليه الأمور ، أقيمت الصلاة ، ويخشى أن تفوته الصلاة وبالتالي تفوته صلاة الجنازة ، فينسى نفسه فيوقف بسيارته كيفما اتفق دون تأمل ماذا ستسببه بعد ذلك ، في اعتقاده انه سيؤدي عبادة فعليه أن يقدمها على كل شئ غيرها ، بعد الصلاة يخرج مسرعا يتبع الجنازة ، يسأل له الرحمة والغفران فيغوص وسط الجموع الهائلة التي حضرت لنفس الغرض . ونسي أين أو كيف أوقف سيارته . تأمل أنت حال المكان وما نسببه من حرج وضيق لكثير من المصلين عندما نغلق عليهم الطريق ، فكيف هي نفسياتهم بعد ذلك وهو ينتظر الوقت الطويل ليخرج سيارته التي سجنتها سيارة أخرى وصاحبها قد تلبس في نافلة ونسي ما سببه لغيره من أذى قد نهي عنه ..؟ المساحة المحيطة بالمسجد تتحمل جزء من المسؤولية ، فكثيرمن الجنائز يكون المشيعون لها كثيرون جدا فيغص المكان ويحدث نفس السيناريو لكن بشكل اخف ، فماهو الحل .؟ ممكن يستفاد من المساحة الشرقية للمقبرة والتي تقف فيها السيارات داخل المقبرة ، لو أن الأمانة تجهزها كمواقف بشكل مؤقت حتى يأتي وقتها ، هذا سيحل جزء كبير من المشكلة الناتجة عن الوقوف العشوائي ، وأملنا في الامانه أن تستجيب لهذا الاقتراح . هذه لمحات جالت بخاطري وأنا أتأمل هذه الحدث ، وأقول سبحان الله ، بعض الناس مؤثر حيا وميتا ، فكل هذا سبته لنا بعد رحيلك ابو انس وقد نعتب عليك حيث كشفت بعضا من سلبياتنا وأخطائنا وعيوبنا . فلله درك حيا وميتا وجعل الفردوس مثواك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ووالدينا والمسلمين عامة يارب العالمين .. وصلى الله على نبينا محمد ..... عبد الله العياده ..